الشيعة الإمامية الاثني عشرية بين الأمس واليوم المقال الرابع

الشيعة الإمامية الاثني عشرية

بين الأمس واليوم

المقال الرابع

كتبه الدكتور/ عمر إيمان أبوبكر

1443هـ= 2022م

 

 

الأصل الثاني من أصول عقيدتهم:   قولهم بأن القرآن الكريم محرَّف.

القرآن كلام الله، وهو المنزَّل على محمد، والمتعبد بتلاوته، والمتحدَّى به إعجازاً، تكلَّم الله به قولاً، ونزل به جبريل وحياً على النبي المختار، وآمن به المؤمنون حقاً، فتلقاه عنه الجيل عن مثله إلى أن وصل إلينا طرياً كما أُنزل، وهو المكتوب في المصاحف، والمحفوظ في الصدور، والمقروء بالألسن، من الله بدأ، وإليه يعود، تكفَّل الله بحفظه، ولم يَكِلْه إلى أحد من الناس، فهو محفوظٌ من التغيير، والتبديل، ومن النقصان والزيادة وعداً من الله قطعه على نفسه بقوله: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).

        موقف الشيعة الإمامية من مسألة تحريف القرآن الكريم

التحريف نوعان: تحريف معاني القرآن الكريم، وهو حمله على غير مراد الله من المعاني التي لا يدل عليها القرآن لا لغةً، ولا سياقاً، وهذا النوع من التحريف يقع فيه كثير من المتعصبة للمذاهب والأفكار، فكل واحد منهم يفسر القرآن على مزاجه بما يتفق مع المذهب الذي يذهب إليه حتى يُخيَّل للقارئ أن القرآن الكريم نزل لتأييد مذهبه. قال ابن القيم: «وأنت تجد جميع هذه الطوائف تنزل القرآن على مذهبهم، وبدعها، وآرائها، فالقرآن عند الجهمية جهمي، وعند المعتزلة معتزلي، وعند القدرية قدري، وعند الرافضة رافضي، وكذلك هو عند أهل الباطل، وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون، ولكن أكثرهم لا يعلمون»([1]).

فهذا النوع من التحريف وإن وقع فيه كثير من المتعصبة إلا أن الشيعة الإمامية أكثر الفرق المنسوبة إلى الإسلام تعاطياً لتحريف معاني القرآن الكريم، بل أقول: إن إنكار القرآن الكريم جملةً وتفصيلاً أهون شراً من حمل القرآن على المعاني التي تحمله عليها الشيعة لأن تفسيرهم يُُفضي إلى حمل القرآن على غير مراد الله، وذلك تقوُّل على الله بلا علم، وهو أكبر من مجرد الشرك بالله.

فقد قال أهل العلم: إن التقوُّل على الله أشدُّ كفراً من الإشراك بالله، ولهذا جاء التقول على الله بعد الإشراك من حيث الترتيب في العِظَم في قوله تعالى:{قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} [ الأعراف الآية: 33].

قال العلامة رشيد رضا في هذه الآية: « القول على الله بغير علم هو أعظم هذه الأنواع من أصول المحرمات الذاتية التي حرمها الله تعالى في دينه على ألسنة جميع رسله، فإنه (أي القول على الله بغير علم) أصل الأديان الباطلة، ومنشأُ تحريف الأديان المحرفة»([2]).

روى الكليني في كتاب الكافي أن موسى بن جعفر فسَّر قول الله تعالى: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} فقال:«إذا غاب عنكم إمامكم، فمن يأتيكم بإمام جديد».

ومن ذلك قول القمي في تفسيره في قوله تعالى: (وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي). يقول: الفحشاء: أبو بكر، والمنكر عمر، والبغي عثمان.

وقال القمي في تفسيره: (ألم. ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) قال: المراد بالكتاب هنا علي بن أبي طالبt.

ويقول القمي أيضاً في تفسير قوله تعالى:{الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ} الذين آمنوا هم الشيعة، وذكر الله هو أمير المؤمنين.

ويقول القمي:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} بأن معناها ولم يؤمنوا بولاية أمير المؤمنين والأئمة.

وتفاسيرهم كلها على هذا النحو فمن أراد الاستزادة فليرجع إلى قسم التفسير من الكافي للكليني الذي يزعمونه أنه أصح كتاب لديهم، وهو مليء بالخرافات التي لا تصدقها العقول السليمة ناهيك أن تكون تفسيراً لكتاب الله.

.

تفسير الشيعة للقرآن على قسمين لا ثالث لهما

تفسير الشيعة الإمامية للقرآن مبني على أن كل ما فيه من مدح، وثناء ووعد، وثواب فهو لأهل البيت فقط وأتباعهم، فإن كان بلفظ المفرد فهي لعلي بن أبي طالب، وإن كان بلفظ الجمع، فهو لأهل البيت كلهم، وما ورد فيه من ذم، وظلم، ووعيد، وعقاب أو تهديد فالمراد به عندهم هم الصحابة ومن كان على نهجهم، علماً بأن تفسير القرآن محصور عندهم في الأئمة ومن ينوب عنهم لأنهم يؤمنون بأن للقرآن ظاهراً وباطناً، ولهذا فلا يجوز عندهم تفسير القرآن إلا من طريق القرناء، وهم الأئمة.

اختلاف الشيعة الإمامية في وقوع التحريف في القرآن

وأما التحريف اللفظي للقرآن فلا يقع في القرآن الكريم لأن الله تكفَّله بنفسه، ولم يَكِلْهُ لأحد من البشر في قوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). وتحقيقا للوعد الإلهي فهو منقول بالتواتر، محفوظ في الصدور، مكتوب في المصاحف لا يمكن لأحد أن يزيد فيه حرفا، أو ينقص منه حرفاً تحقيقاً لوعد الله في حفظه.

ومع هذا كله فالشيعة الإمامية هم من بين الفرق الإسلامية من قال بوقوع التحريف في القرآن الكريم، فقد اختلفوا في مسألة تحريف القرآن الكريم كاختلافهم في مسألة البَداء، ولكن اختلافهم في تخريف القرآن الكريم أشد، فجمهورهم يعتقدون أن القرآن الكريم محرَّف، وإن كانوا مع غيرهم من المسلمين ينكرون وقوع التحريف في القرآن أخذاً بمبدأ التقية التي هي أصلٌ من أصول عقائدهم.

وحتى لا نُقوِّلهم بما لم يقولوا ننقل موقفهم من مسألة تحريف القرآن الكريم من كتبهم المعتمدة لديهم التي تُعتبر صحاحاً في نظرهم للتأكد من موقفهم من هذه المسألة التي هي في غاية الخطورة، وأولها كتاب الكافي للكليني الذي عندهم من حيث الصحة كصحيح البخاري عند أهل السنة.

 قال الكليني في كتاب فضل القرآن من كتاب الكافي برواية أبي عبد الله جعفر الصادق أنه قال فيما زعموا: «إن القرآن الذي جاء به جبريل إلى محمد r سبعة عشر ألف آية»([3]). وهذا إقرار ضمني بحذف كثير من القرآن الكريم لأن المعروف الثابت عند المسلمين أن القرآن الكريم الذي بأيدي المسلمين ستة آلاف ومائتان وستون آية، وبناء على هذه الروايات التي في كتاب الكافي أن ثلثي القرآن الكريم محذوف، وأن الموجود منه ثلث القرآن فقط، لهذا علَّق القزويني أحد علمائهم على ما في كتاب الكافي فقال: «إن الغرض بيان أنه حُذف من أصل القرآن شيء كثير الذي لا يوجد في نُسَخِ القرآن المشهورة».

ثم روى الكليني بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد الله أنه قال: «وإن عندنا لمصحف فاطمة، وما يدريهم ما مصحف فاطمة، قال: قلت: وما مصحف فاطمة قال: مصحف فاطمة، فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد، قال: قلت: والله هذا العلم»([4]).

وهذه الرواية تتفق من حيث المضمون مع الرواية الأولى فيما يتعلق بالقدر المحذوف من القرآن حسب زعمهم، والروايات الواردة في الكافي للكليني في نقص القرآن كثيرة جداً، وإن سكوت الكليني على تلك الروايات التي شَحن بها كتابه الذي اعتبره صحيحاً دليل على أنه كان ممن يرى وقوع التحريف في كتاب الله، وهو عين ما استند إليه الكاشاني (محمد بن محسن بن مرتضى من متأخري علمائهم) قال: «وأما اعتقاد مشايخنا في ذلك، فالظاهر من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني ـ طاب ثراه ـ أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن لأنه كان روى روايات في هذا المعنى في كتاب الكافي، ولم  يتعرض لقدح فيها.

 ثم قال الكاشاني إن اعتقاده بتحريف القرآن ليس بدعاً من علماء الإمامية الذي يُقِرُّون بتحريف القرآن، بل يذكر أنه سبقه في ذلك كبار علمائهم أمثال الكليني، والقمي، والطبرسي إلى أن قال: لم يبق لنا اعتماد على شيء من القرآن إذ على هذا يحتمل كل آية منه أن يكون محرفاً، ومُغيَّراً، ويكون على خلاف ما أنزل الله، فلم يبق لنا في القرآن حجة أصلاً، فتنتفي فائدتُه، وفائدةُ الأمر باتباعه، والوصية بالتمسك به إلى غير ذلك»([5]).

3 ـ ألف الميرزا الطبرسي (الحسين بن محمد النوري أحد المراجع الشيعية الإمامية) كتاباً جمع فيه مئاتِ الروايات التي تنصُّ على تحريف القرآن، وسماه (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب ربِّ الأرباب).

        ولما اشتد النكير على الشيعة الإمامية في هذا الكتاب وما فيه من التجني على كتاب الله، والتلاعب به تبرأ بعض منهم كعادتهم في كل شيء عملاً بالتقية، ولهذا استحدثوا فيه قولا ثانيا في مسألة تحريف القرآن.

        القول الثاني: إنكار أن يكون التحريف وقع في كتاب الله تعالى

        وفي المقابل هناك رأي آخر تبناه بعض أئمة الشيعة الإمامية ليكون مهربا للقائلين بتحريف القرآن، وإليك بعضاً من أقوالهم:

  1 ـ إن ابن بابويه القمي (ت381هـ)  صاحب كتاب ( من لا يحضره الفقيه) أحد صحاحهم الأربعة أنكر وقوع التحريف في القرآن الكريم، ومن كلامه في هذا الموضوع. (اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله على نبينا محمدr، وهو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك، ومن نسب إلينا أنا نقول: أكثر من ذلك فهوكذاب»([6]).

2ـ قال الطوسي (ت450) وهو صاحب كتابين من كتب الحديث الأربعة المعتمدة عند الشيعة الإمامية: «وأما الكلام في زيادته ونقصانه مما لا يليق به أيضاً، لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانها، والنقصان منه، فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافُه، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا، والروايات الكثيرة الواردة في نقصانه، طريقها الآحاد التي لا توجب علماً، فالأولى الإعراض عنها، وتركُ التشاغل بها لأنه يمكن تأويلها…»([7]).

ونكتفي بهذا القدر من النقولات، ولا داعي للإكثار من ذكر مخازيهم، ونخلص إلى أن الشيعة الإمامية مضطربون في مسألة تحريف القرآن كاضطرابهم في كل المسائل، وليس عندهم مرجعية مسلَّم بها للفصل في مثل هذه المسألة التي يدور الخلاف فيها بين الإيمان والكفر.

والغريب في الأمر أن الطوسي، وهو أحد المراجع المعتمدة لدى الشيعة لا يعير اهتماما بما ورد في كتاب الكافي من إثبات تحريف القرآن، وهو أصح كتاب عندهم، بحيث ردها الطوسي بما لا يخلو من استخفاف لتلك الروايات، والطوسي وإن أحسن في رد التحريف عن القرآن الكريم، ولكن كان عليه أن يتساءل عن مصير أئمتهم الذي مضوا، وهم يعتقدون وقوع التحريف في القرآن الكريم، كما لم يتساءل كيف تثبت العصمة لمن هم على هذا التباين في أخطر مسألة تتعلق بأصول الدين، تناقضٌ رهيبٌ لا مخرجَ منه إلا الرجوع إلى الحق من رفع العصمة عن البشر ما عدا الأنبياء والمرسلين. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه.

بطلان تحريف القرآن الكريم

        إن الشيعة الإمامية في الوقت الذي تتظاهر بالتعصب لعلي بن أبي طالب وموالاته على بقية الصحابة تسيء إليه من حيث هي لا تشعر، وذلك أنها تقول: إن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما حذفا كل الآيات التي تنص على أحقيته في الخلافة بعد الرسول، فيقال لهم: لما ذا سكت عليُّ بن أبي طالب على تحريفهما للقرآن، فإن كان سكوته جبناً وخوفاً منهما، فهذا مع كونه يتعارض مع ما عُرف عنه من الشجاعة لا يُظن أن يقع مثلُه من آحاد المسلمين فضلاً عن الصحابة، وإن كان ذلك حرصاً منه على وحدة الصف كما زعموا، يقال لهم: كيف يستقيم هذا، وقد قاتل علي بن أبي طالب طلحةَ والزبير بن العوام ومعاوية بن أبي سفيان من أجل البيعة وجمع كلمة المسلمين على إمام واحد، وهي أهون بكثير من تحريف القرآن الكريم بمراحل.

        ثم لو فرضنا جدلاً أن علي بن أبي طالب t سكت عن تحريف القرآن في زمان أبي بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم لسبب من الأسباب، فلم لم يُظهر علي بن أبي طالب القرآن المحذوف في وقت خلافته، وهو أمير المؤمنين لا يخشى من أحد، فلما لم يفعل ذلك دل ذلك على أن ليس هناك تحريف، ولا حذف من القرآن الكريم.

والذي ثبت عن علي بن أبي طالب t عند المسلمين بأسانيد كالشمس إذا طلعت أنه لم يكن عنده من القرآن ما ليس عند المسلمين ففي صحيح البخاري عن أبي جحيفة t قال: قلت لعلي بن أبي طالب: هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله قال: «لاَ وَالَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا فَهْمًا يُعْطِيهِ اللَّهُ رَجُلًا فِي القُرْآنِ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ»، قُلْتُ: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: «العَقْلُ، وَفَكَاكُ الأَسِيرِ، وَأَنْ لاَ يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ»([8]).

وفي رواية عند مسلم في صحيحه عن أبي الطفيل قال: سُئل علي بن أبي طالب t «أخصَّكم رسول الله r بشيء؟ فقال: ما خصَّنا رسولُ الله بشيء لم يعمَّ الناسَ كافة إلا ما كان في قراب سيفي هذا، قال: فأخرج صحيفةً، مكتوب فيها، لعن الله مَن ذبح لغير الله، ولعن الله مَن سرق منار الأرض (أي غير)، ولعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى محدثاً»([9]).

العقيدة الثانية: إنكار الشيعة لسنة النبي r

إن الشيعة الإمامية يردُّون سنة النبي r جملةً وتفصيلاً، وليس هذا فحسب بل يرون أن مؤلفي كتب السنة كالإمام مالك، والبخاري، ومسلم، وأبي داود والترمذي، والنسائي، وابن ماجه وغيرهم من أهل الحديث كفار لأنهم في نظرهم نواصب، وكل من ليس من الشيعة فهو عندهم من النواصب.

 وأشد من هذا كله أن الشيعة الإمامية يُكَفِّرون جمهورَ الصحابة الذين هم الحلقة الأولى في نقل الحديث عن رسول الله r فما ذا نتوقع مِن فرقة تُؤمن بوقوع التحريف في القرآن الكريم أن يكون موقفها من سنة النبي r علماً بأن الشيعة يقرؤون كتب السنة المشهورة عند أهل السنة لا للعمل بها بل ليجادلوا بها أهل السنة والجماعة، فكل ما فيها مما يوهم أنه يدعم ما يذهبون إليه أخذوه، فتسمع أحدهم وهو يقول: في صحيح بخاري أهل السنة كذا وكذا.

وحين أنكرت الشيعةُ الإمامية كتب السنة المشهور عند المسلمين أوجدوا لأنفسهم بدائل عنها، وهي الأحاديث التي اصطنعوها لأنفسهم، وهي المسلسلة بأهل البيت ما رواه جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن أبيه علي بن الحسين زين العابدين عن الحسين السبط عن أبيه أمير المؤمنين عن رسول الله.

فالمؤلف الشيعي إذا أورد كلاماً، وأراد أن يُكسبه الصفة الشرعية قرنه بهذا الإسناد المسلسل بأهل البيت، ومع هذا كله، فالأحاديث المرفوعة عند الشيعة الإمامية قليلة جداً إذا قُورنت بأقوال أئمة الشيعة، فأكثر أحاديث الشيعة هي أقوال أئمتهم لأن أئمتهم معصومون كما سنذكر عنهم، ومرتبتهم في الاحتجاج بأقوالهم هي مرتبة احتجاج كلام الأنبياء، فلا فرق عندهم بين ما يروونه عن النبي r وما يروونه عن أئمتهم، بل ثقتهم فيما يروونه عن أئمتهم أقوى مما يُروى عن النبي كما ستعرف ذلك عند الكلام على عصمة أئمة الشيعة.

 فالشيعة الإمامية تخالف أهل السنة والجماعة في مصدر من أهم مصادر التشريع، وهي سنة النبي r وهي الشارحة لكتاب الله، والمبينة لمعناه، وبدونها لا يمكن العمل به، فمن أنكر سنة النبي r فقد أنكر كتاب الله، ومن أنكرهما أوأحدهما فهو كافر بالإجماع عند أهل السنة والجماعة، ومن هنا نُدرك البون الشاسع بينهم وبين أهل السنة.

درجة أحاديث الشيعة الإمامية

إن أقوى حديث لدى الشيعة الإمامية لا يرقى إلى درجة الحديث الموضوع عند أهل السنة والجماعة لأن الوضَّاع الذي كذب على رسول الله r  معروف بكذبه عند أهل السنة، فهناك كتب ألفت في الضعفاء والمجروحين، وهي أكثر من الكتب المؤلفة في الثقات في حين أن الرواة عند الشيعة هم في الحقيقة أكثرهم أناس لا وجود لهم، بل أكثرهم مصطعنون ليس لهم ذكر في كتاب من كتب الإسلام، وفوق ذلك فليس للشيعة الإمامية معايير في نقد الرواة على غرار ما عند أهل السنة والجماعة، وكل ما عند الشيعة الإمامية هو الهوى مقروناً بالإسناد إلى أهل البيت كذباً وزوراً.

الأصل الرابع عند الشيعة الإمامية:  تكفير الصحابة رضي الله عنهم

فالتشيع في بداية الأمر كما ذكرنا غير مرة كان هو الميل إلى علي t، ثم تطور إلى تقديمه على أبي بكر وعمر، ثم تطور إلى سب الصحابة ما عدا قلة من الصحابة، وقد تقدم قول ابن حجر العسقلاني عن التشيع في مراحله الأولى: «والتشيع محبة علي t وتقديمه على الصحابة، فمن قدمه على أبي بكر وعمر، فهو غالٍ في تشيعه، ويطلق عليه رافضي، وإلا فشيعي، فإن انضاف إلى ذلك السب والتصريح بالبغض فغال في الرفض، وإن اعتقد الرجعة إلى الدنيا، فأشد في الغلو»([10]).ثم تطور في الآونة الأخيرة إلى تكفير جمهور الصحابة، وهو الذي استقر عليه عامة الشيعة في هذه العصور المتأخرة. وانتهى الأمر بالشيعة الإمامية في الصحابة على رأيين، فالرأي الأول، وهو الذي عليه أكثر المتقدمين هو سب الصحابة دون التصريح بكفرهم، والرأي الثاني وعليه أكثرية المتأخرين تكفير الصحابة إلا آل البيت وعدداً قليلاً كانوا من الموالين لعلي t، والبقيةُ في نظرهم كفار قال المرتضي النجفي: «إن الرسول r ابتُلي بأصحاب قد ارتدوا من بعده عن الدين إلا القليل»([11]).

والشيعة كفَّرت الصحابة إلا آل البيت وعدداً، والمعترف بهم من الصحابة عنهم ثلاثة، وقيل سبعة، وقيل إلى سبعة عشر على اختلاف بينهم، والمتفق عليه عندهم هم: أبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي، وعمار بن ياسر إضافة إلى أهل البيت جميعا، وهم علي بن أبي طالب وذريته.

والشيعة هم قوم لا ذمة لهم إذ لم يراعوا حق الصحابة الذين كانوا مع علي بن أبي طالب t في قتاله معاوية بن أبي سفيان، وهم جمهور الصحابة، ولم يكن مع معاوية إلا قلة من الصحابة كعمرو بن العاص، وحجتُهم في تكفيرهم أنهم ( أي الصحابة) جحدوا إمامة علي t وأخذوها منه بالقوة كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وحرَّفوا القرآن بحذف الآيات الدالة على أحقية علي بن أبي طالب t في الولاية، وسندهم في ذلك ما رواه الكليني بسنده عن الباقر والصادق «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، من ادعى إمامة ليست له، ومن جحد إماماً من عند الله، ومَن زعم أن أبا بكر وعمر لهما نصيب في الإسلام»([12]).

لأن الإقرار بإمارة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عندهم، وتقديمه على غيره من الصحابة ركنٌ من أركان الإيمان، قال محمد بن الحسين المعروف ببابويه القمي:«واعتقادُنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب t والأئمة من بعده أنه كمن جحد نبوة جميع الأنبياء، واعتقادنا فيمن أقرَّ بأمير المؤمنين، وأنكر واحداً من بعده من الأئمة أنه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء، وأنكر نبوة نبينا محمد r»([13]).

وقال الخميني: «إننا هنا لا شأن لنا بالشيخين وما قاما به من مخالفات للقرآن، ومن تلاعب بأحكام الإله، وحللاه وحرماه من عندهما ومارساه من الظلم ضد فاطمة ابنة النبي، وضد أولاده، ولكن نشير إلى جهلهما بأحكام الإله والدين»([14]).

وهذا الموقف الذي اتخذته الشيعة من جمهور المسلمين ممن عداهم يتعارض تماماً مع كل المواقف التي اتخذها علي بن أبي طالب وابناه: الحسن والحسين قال محمد شحاتة: «ولنا سؤال: يزعم الشيعةُ أن معاوية ـ رضي الله عنه ـ كان كافرا، ثم نجد أن الحسن بن علي ـ رضي الله عنهما ـ قد تنازل له عن  الخلافة، وهو الإمام المعصوم عند الشيعة، فيلزمهم أن يكون الحسن ـ رضي الله عنه قد تنازل عن الخلافة لكافر، وهذا مخالف لعصمته، أو أن يكون معاوية ـ رضي الله عنه ـ مسلما»([15]).

مكانة الصحابة عند أهل السنة والجماعة

الصحابي هو من لقي النبي r حياً مؤمناً به، ومات على الإسلام، وكلهم عند أهل السنة والجماعة عدول.

قال الشافعي: «أثنى الله ـ تبارك وتعالى ـ على أصحاب رسول الله r في القرآن، والتوراة، والإنجيل، وسبق لهم لسان رسول الله r من الفضل ما ليس لأحد بعدهم، فرحمهم الله، وهنأهم بما آتاهم الله من ذلك ببلوغ أعلى منازل الصديقين والشهداء والصالحين، فهم أدوا إلينا سننَ رسول الله r وشاهدوه، والوحي ينزل عليه، فعلموا ما أراد رسول الله عاماً وخاصا، وعزماً وإرشاداً، وعرفوا من سنته ما عرفنا وجهلنا، وهم فوقنا في علم واجتهاد، وورع وعقل، وآراؤهم لنا أحمد، وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا، والله أعلم»([16]).

وقال ابن الصلاح: « للصحابة بأسرهم خصيصة وهي: أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم بل ذلك أمر مفروغ منه لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب والسنة  وإجماع من يعتد بهم في الإجماع من الأمة إلى أن قال: إن الأمة مجتمعة على تعديل الصحابة ومن لا بس الفتن منهم فكذلك، بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع إحسانا للظن بهم، ونظرا إلى ما تمهد لهم من المآثر، وكان الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة ـ والله أعلم »([17]).

وقال الذهبي: فأما الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ فبساطهم مطوي، وإن جرى ما جرى، إذ على عدالتهم وقبول ما نقلوه العملُ، وبه ندين الله تعالى([18])».

وقال ابن كثير: « الصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة بما أثنى الله عليهم في كتابه العزيز، وبما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم في جميع أخلاقهم وأفعالهم، وما بذلوا من الأموال والأرواح بين يدي رسول الله r رغبةً فيما عند الله من الثواب الجزيل، والجزاء الجميل، وأن ما جرى بينهم بعده r فمنه ما وقع عن غير قصد كيوم الجمل، ومنه ما كان عن اجتهاد كيوم صفين، والاجتهاد يخطئ ويصيب، ولكن صاحبه معذور، وإن أخطأ، ومأجور أيضاً، وأما المصيب فله أجران اثنان، وكان علي t وأصحابه أقربَ للحق من معاوية رضي الله عنهم أجمعين»([19]).

الصحابة كلهم من أهل الجنة

 ذهب بعض أهل العلم إلى أبعد من تعديل الصحابة، فقالوا: الصحابة كلهم من أهل الجنة لقول الله تعالى: «لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل إلى قوله:… وكلا وعد الله الحسني) فلفظة كل تدل على العموم، والحسنى في الآية: هي الجنة باتفاق.

 وقال ابن جرير: «وكل هؤلاء الذين أنفقوا من قبل الفتح، وقاتلوا، والذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وعد الله الجنة بإنفاقهم في سبيله، وقتالهم أعداء». وقال القرطبي: في قوله ( وكلا وعد الله الحسنى ) أي المتقدمون المتناهون السابقون، والمتأخرون اللاحقون، وعدَهم جميعا الجنة مع تفاوت الدرجات».

واستدل ابن حزم بقوله تعالى: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى} و بقوله تعالى: { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون . لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون . لا يحزنهم الفزع الأكبر } على أن الصحابة كلهم من أهل الجنة فقال في ذلك « فجاء النص أن من صحب النبي r فقد وعده الله تعالى الحسنى، وقد نص الله تعالى { إن الله لا يخلف الميعاد} وصح بالنص كل من سبقت له من الله تعالى الحسنى، فإنه مبعد عن النار لا يسمع حسيسها»([20]).

الطعن في الصحابة طعن في رسول الله وفي الدين

والطعن في الصحابة طعن في الرسول لأنه إن كان أصحابه أصحاب سوء فهو صاحب سوء، ولو كان النبي r رجلا صالحا لكان أصحابه صالحين، قال أبو عبد الرحمن النسائي صاحب السنن «إنما الإسلام كدار لها باب، فباب الإسلام الصحابة، فمن آذى الصحابة إنما أراد الإسلام كمن نقر الباب إنما يزيد دخول الدار»([21]).

وقال أبو زرعة: «إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله r فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول r عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآنَ، والسننَ أصحابُ رسول الله، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليُبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم الزناقة»([22]).

وقال الذهبي في موضع آخر : «فمن طعن فيهم، أو سبهم فقد خرج من الدين، ومرق من ملة المسلمين لأن الطعن لا يكون إلا عن اعتقاد مساويهم، وإضمار الحقد فيهم، وإنكار ما ذكره الله تعالى في كتابه من ثنائه عليهم»([23]).

يتبع

([1]) شفاء العليل (1/83).

([2] ) تفسير المنار (8/ 354).

([3]) كتاب الكافي (2/631).

([4]) أصول الكافي (1/ 451).

([5]) كتاب الصافي في تفسير القرآن 1/32).

([6])الاعتقادات: (ص 101-102).

([7])التبيان : (1/3)

([8]) صحيح البخاري (رقم 3047).

([9] ) صحيح مسلم (1987)

([10]) هدي الساري ( (495).

([11]) كتاب السبعة من السلف( ص 7).

([12]) الكافي (1/324).

([13]) الاعتقادات للقمي ( ص 103).

([14]) كشف الأسرار في مخالفة أبي بكر وعمر لكتاب الله (ص 108).

([15]) الشيعة هم العدو( ص 42).

([16] ) مناقب الشافعي للبيهقي ( ص

([17]) مقدمة ابن الصلاح (ص: 171).

([18]) الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم (ص: 24).

([19]) اختصار علوم الحديث (ص: 382).

([20] ) المحلى لابن حزم (جزء العقيدة) (ص: 44).

([21]) تهذيب الكمال للإمام المزي (1/ 45).

([22]) الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ( ص 67).

([23]) الكبائر ( 235).

لتحميل الرابط اضغط هنا