الشيعة الإمامية الاثني عشرية بين الأمس واليوم المقام الخامس

الشيعة الإمامية الاثني عشرية

بين الأمس واليوم

المقال الخامس

كتبه الدكتور/ عمر إيمان أبوبكر

1443هـ= 2022م

 

الأصل الرابع: عصمة الأئمة عند الشيعة الإمامية

المراد بأئمتهم من سبق أن ذكرناهم في بداية هذا الكتاب بأسمائهم، وهم اثنا عشر إماماً، وكلهم من آل البيت، ويدخل معهم تبعاً من ينوب عنهم بالولاية من الفقهاء قال الخميني: «ونحن نفخَر بأن أئمتنا هم الأئمة المعصومون بدءاً من علي بن أبي طالب، وختماً بمنقذ البشرية الإمام المهدي صاحب الزمان، وهو بمشيئة الله القدير، حَيٌّ يراقب الأمور»([1]).

أجمعت الشيعة الإمامية، ومعهم الزيدية على عصمة الأئمة من الخطأ والنسيان، والسهو، وعللوا ذلك بأنهم يعلمون الغيب، فمن يعلم الغيب لا يخطئ، ولا يسهو لمعرفتهم الصواب قبل القيام بفعل الشيء. وليتهم وقفوا عند هذا الحد ولم يرفعوا أئمتهم فوق الأنبياء والمرسلين، فما زال الغلوُّ يدفع بهم إلى غلوٍّ أشدَّ حتى جعلوهم في مقام الألوهية، ونحن هنا ننقل عقيدة الشيعة الإمامية في عصمة أئمتهم عن كتابهم الذي هو أصح الكتب لديهم، وهو الكافي للكليني الذي هو عندهم في الصحة كصحيح البخاري عند أهل السنة والجماعة، فإذا كان الكتاب يُقرأ من عنوانه، فعقيدة الشيعة الإمامية في أئمتهم تُعرف من خلال العناوين التي وضعها الكليني في كتابه الكافي للدلالة على عصمة الأئمة عندهم لنفهم أن الأئمة عندهم، هم في مقام الألوهية لا فرق بينهما ألبتة، وإليك بعض تلك الأبواب يقول الكليني في كتاب الكافي:

 1 ـ باب أن الأئمة ولاةُ أمرِ الله وخزنةُ علمِه.

2 ـ باب أن الأئمةَ هم أركان الأرض.

3ـ باب أن الأئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجتْ إلى الملائكة، والأنبياء والرسل.

4ـ باب أنه لم يجمع القرآنَ كله إلا الأئمة.

5ـ باب أن الأئمة عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله، وأنهم يعرفونها على اختلاف أدلتها.

6ـ باب أن الأئمة يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم.

7ـ باب أن الأئمة عليهم السلام ـ يعلمون علم ما كان وما يكون، وأنه لا يخفى عليهم الشيء.

ومن الروايات التي أوردها في تلك الأبواب ما رواه الكليني عن جعفر الصادق فيما زعم ـ وهو كذبٌ عليه ـ أنه قال: «إني لأعلم ما في السموات وما في الأرض، وأعلم ما في الجنة، وأعلم ما في النار، وأعلم ما كان وما يكون»([2]).

ذكر نعمة الله الجزائري أحد المراجع الشيعة بسنده أن علياًّ رضي الله عنه قال: «والله كنت مع إبراهيم في النار، وأنا الذي جعلتها برداً وسلاماً، وكنت مع نوح في السفينة، فأنجيته من الغرق، وكنت مع موسى، فعلَّمته التوراة، وأنطقتُ عيسى في المهد، وعلَّمته الإنجيل، وكنت مع يوسف في الجب، فأنجيته من كيد إخوته»([3]).

 ومن جملة أدلتهم في القرآن في الدلالة على عصمة الأنبياء فيما زعموا قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ} قال علي بن إبراهيم القمي أحد المراجع الشيعة في قوله تعالى (إلا من ارتضى): يعنى علياً المرتضى من الرسول r وهو منه»([4]).

وهذا ليس بتحريف فحسب بل هو التلاعب بكتاب الله ممن ليس عنده حياء من الله، ولا من خلقه.  وقال المرشد الأعلى الخميني: «إن للإمام مقاماً محموداً، ودرجةً ساميةً، وخلافةً تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميعُ ذرَّات هذا الكون، وإن من ضروريات مذهبنا أن لائمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل »([5]).

وقد بلغ الأمر بالخميني أن فضَّل مجتمع جمهورية إيران على مجتمع النبي r في مكة والمدينة بقوله:«إنني أقولها بجرأة: إن شعب إيران بجماهيره المليونية في العصر الحاضر، هو أفضل من شعب الحجاز في عهد النبي r، وشعبِ الكوفة والعراق على عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، والحسين بن علي»([6]).

الأصل السادس: عقيدة الرجعة

الرجعة عقيدة الشيعية الإمامية منبثقة عن فكرة الإمام المهدي المنتظر، وهو الإمام الثاني عشر الذي هو الأخير من أئمتهم، واسمه: محمد بن الحسن المهدي المنتظر، وقد أفرد له الطوسي كتاباً سماه (كتاب الغيبة).

 قلت: فالمهدي شخصية خيالية وهمية، لا وجود لها إلا في أذهان الشيعة الإمامية، فقد أضاعوا عمرهم في انتظار من ليس بمخلوق،، فالبحث عنه، والتلهف على لقائه مضيعة للوقت ليس إلا.

 والرجعةُ في الأصل عقيدةٌ يهودية دسَّها في المسلمين عبدُ الله بن سبأ اليهودي قتله علي بن أبي طالب t قال ابن حجر العقسقلاني: «وأخبار عبد الله بن سبأ شهيرة في التواريخ، وله أتباع، يقال لهم السبائية،  معتقدون إلهية علي أبي طالب t، وقد أحرقهم علي بن أبي طالب بالنار في خلافته»([7]).

وللرجعة عند الشيعة الإمامية القائلين بها مفهومان

المفهوم الأول: ومعناها ظهور المهدي من مخبئه وسردابه الذي اختفى فيه بعد طول غيبة دامت أكثر من ألف عام، وهذه الرجعة محل اتفاق بين الشيعة الإمامية، بل هي عماد مذهبهم، وأهم أصولهم السبعة.

المفهوم الثاني للرجعة: رجوع الأبرار والأشرار معاً رجعة مؤقتة قبل البعث والنشور لينتقم الأبرارُ من الأشرار، وهذه الرجعة تكون عند ظهور المهدي من غيبته، وسيطرته على العالم كله، قال الطبرسي أحد مراجع الشيعة: «وقد تظاهرت الأخبار من أئمة الهدى من آل محمد في أن الله سَيُعيد عند قيام المهدي قوماً ممن تقدَّم موتُهم من أوليائِه وشيعتِه ليفوزوا بثواب نصرته، ومعونته، وينتهجوا بظهور دولته، ويعيد أيضاً قوماً من أعدائه لينتقم منهم، وينالوا بعض ما يستحقونه من العذاب في القتل على أيدي شيعته والذُلِّ والخِزي بما يشاهدون من علوِّ كلمته»([8]).

ومستند الشيعة الإمامية في إثبات الرجعة أمران:

الأول: الأحاديث الموضوعة التي اختلقوها من عند أنفسهم يروونها عن أهل البيت كذباً وزوراً بأنهم قالوا لهم: إنهم سيرجعون إلى الدنيا قبل البعث والنشور. الثاني: التحريف لمعاني القرآن ليوهموا أتباعهم بأنه يدل على عقيدة الرجعة ومن ذلك تفسيرهم لقوله تعالى: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآَيَاتِنَا). قالوا: إن هذه الآية تدل على أن هذا الحشر خاص ببعضٍ دون بعضٍ، فيتعين أن يكون غير الحشر الأكبر يوم القيامة.

ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: (فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ). قال القمي في تفسيرها: (فالذين لا يؤمنون بالآخرة): يعني أنهم لا يؤمنون بالرجعة أنها حق، وقال في قوله: ( وهم مستكبرون ): أي أنهم عن ولاية علي بن أبي طالب مستكبرون.

وقال الكليني في قوله تعالى: {فلا أقسم بالخنس . الجوار الكنس } إنها تعني الإمام الغائب.

قلت: وتنزيل الآيات الكريمة على الرجعة إلى الدنيا من تلاعب الشيعة بكلام الله تعالى، وإلا فكل المسلمين يعلمون أن تلك الآيات لا صلة لها بعقيدة الرجعة، والقرآن الكريم دل على سبيل القطع واليقين على إبطال عقيدة الرجعة، وليس هناك أحد يعود إلى الدنيا بعد موته قبل يوم القيامة، ومن صريح القرآن في ذلك قوله تعالى:{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99)لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } المؤمنون(266). وقوله تعالى: {وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون)

قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: «قال ابن عباس رضي الله عنهما يعني قدراً مقدراً أن أهل كل قرية أُهْلِكوا أنهم لا يرجعون إلى الدنيا قبل يوم القيامة، ثم قال ابن كثير: هكذا صرَّح ابن عباس وأبو جعفر الباقر، وقتادة وغير واحد»([9]).

وروى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم من حديث جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما «قال لي رسول الله r «أما علمت أن الله أحيا أباك، فقال له: تمنَّ عليَّ، فقال له: أُرَدُّ إلى الدنيا، فأُقتَل مرة أخرى، فقال (أي الله) إني قضيت الحكم أنهم إليها لا يرجعون»([10]).

وهذا هو الموافق لما روي عن أهل البيت  ففي مسند الإمام أحمد والحاكم بسنده إلى عمرو بن الأصم قال: قلت للحسن بن علي: إن هذه الشيعة يزعمون علياً مبعوثٌ قبل يوم القيامة قال: كذبوا والله ما هؤلاء بشيعته، لو علمنا أنه مبعوث ما زوَّجنا نساءه، ولا اقتسمنا ماله»([11]).

ما السبيل إلى الخلاص من عقدة غيبة الإمام

لا يمكن للشيعة الإمامية الخلاص من عقيدة انتظار الإمام إلا أن يُقِرُّوا ببطلانها، وذلك صعب عليهم، لأنهم لو فعلوا ذلك لانهدم مذهبهم من أساسه لأنه هو الأساس الذي بُني عليه المذهب، فإذا بطل الأساس بطل معه كل ما بُني عليه من الخرافات والأساطير، فلا يفكرون فيه فضلاً عن القيام به، لكن قد يقول قائل: لماذا لا يخرج الشيعة الإمامية من هذه الورطة التي لزمتهم عبر العصور بإظهار شخص آخر بدله يتقمص شخصية الإمام المنتظر، ثم يلتفون حوله على اعتبار أنه هو الإمام المهدي المنتظر، وبذلك يضعون حداً لتلك الترُّهات التي جلبت عليهم الفضيحة والعار.

قلت: الذي يمنعهم من القيام بتلك المسرحية الهزلية ما نَسَجُوا حول تلك الشخصية الغائبة عند ظهوره من الأخبار الغريبة، والخرافات مصحوبة بتهويلات عظيمة كأن يوم خروجه هو يوم القيامة بحيث تكون الملائكة حوله صافين، ومعه جميع الكتب المقدسة التي أنزلها الله على جميع الأنبياء، فينتصر في لحظات على جميع أعداء الله من الكفار الأصليين، والكفار الفرعيين من أعداء أهل البيت من النواصب، فتكون الكرة الأرضية كلها بقبضته بحيث تكون الكلمة العليا للشيعة الإمامية الإثني عشر.

قلت: لو أنهم قالوا: إن الإمام المهدي قد ظهر، ولم يتحقق شيء مما أخبروا به عند ظهوره تبين كذبهم في كل تلك الأخبار، لهذا لم يجدوا حلاًّ لهذه المعضلة إلا بنقل صلاحية الإمام المنتظر إلى نائبه ولاية الفقيه في أمور الدين والدنيا من باب الأخذ بأهون الشرين، وإلا فإن نقل صلاحيته بحد ذاته هي معضلة أخرى لأنه يمكن أن يقال لهم: كيف تمَّ نقلُ تلك الصلاحية هل بموافقته، فإن كان الجواب نعم، يقال لهم: فمن الذي اجتمع به، وحاوره حتى أقنعه على الموافقة بنقلها عنه، وهذا مما لا يمكن القول به لأنه يتعارض مع عقيدة الغيبة.

 وإن قالوا إن صلاحيته تمَّ نقلُها عن طريق الاجتهاد، فهو أيضاً يتعارض تماماً مع كل النصوص التي في كتبهم المقدسة بأن ذلك حق إلهي أعطي للإمام المنتظر وحده دون غيره، فكيف يمكن للمتأخر أن يتعاطاه، وقد امتنع عنه كل أئمة الشيعة الاثني عشر عبر التاريخ، وفيهم المعصومون في عقيدتهم.

الأصل السابع عند الشيعة الإمامية: عقيدة التَّقيَّةِ  

التُقْيَةُ بضم التاء وسكون القاف: مصدر من اتقى يتقي اتقاءً، وتُقاةً، وتُقْيةً، واتقى الشيءَ حذره واجتنبه. واتقى بالشيء جعله وقايةً له.

والتَّقِيَّةُ: بفتح التاء وكسر القاف: اسم مأخوذ من مصدر: تقى وهو: الخشية والخوف، فلا فرق في اللغة بين التُقية بضم التاء وسكون القاف، والتَّقِيِّة بفتح التاء وكسر القاف مع تشديد الياء من حيث اللغة، ولكن بعد ظهور الشيعية الإمامية واتخاذهم التَّقِيَّة ديناً وأصلاً من أصولهم اصطُلح للتفريق بينهما بجعل التُقية بضم التاء وسكون القاف لأهل السنة والجماعة، والتَّقِيَّة بفتح التاء وكسر القاف مع تشديد الياء للشيعة الإمامية، فالتُقْية عند أهل السنة والجماعة هي رخصة للمسلم يلجأ إليها عند الضرورة إذا خاف على نفسه من وقع الضرر عليه من قِبل من هو قادر على تنفيذ ما يهدده به، فيدرأ المسلم بالتُقية عن نفسه الأذى شريطة أن يكون ذلك باللسان، وقلبه مطمئن بالإيمان، وهذه التُقية هي التي قال الله تعالى عنها:{لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً}.

قال ابن جرير الطبري في تفسيرها: (إلا أن تتقوا منهم تقاة) إلا أن تكونوا في سلطانهم، فتخافوهم على أنفسكم، فتُظهروا لهم الولاية بألسنتكم، وتضمروا لهم العداوة، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر، ولا تعاونوهم على مسلم»([12]).

إن الآية ترشد إلى نوع من معاملة المسلم مع الكفار إذا كانت الغلبة لهم على المسلمين، فلا يجاهرهم بالعداوة، بل يكفيه أن يفعل ذلك في قلبه دفعاً لأذاهم عن نفسه، والآية كما ترى لا علاقة لها في تعامل المسلمين بعضهم لبعض لكن لما كانت الشيعة الإمامية يرون تكفير مَن عداهم من الفرق الإسلامية فإنهم يُنزِّلون تلك الآية على أهل السنة والجماعة وكل من عدا الشيعة من الفرق الأخرى.

والعمل بالتَّقِيَّة عند الشيعة: ليست في حالة الضرورة بل هي دين يلتزمون بها في حياتهم في حال العسر واليسر، والأمن والخوف، والمكره والمنشط، فلا تفارقهم في حال من الأحوال، قال شيخهم محمد باقر المجلسي: «واعتقادنا في التقية أنها واجبة، مَن تركها كان بمنزلة من ترك الصلاة، والتقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم، فمن تركها قبل خروجه، فقد خرج من دين الله، وعن دين الإمامية، وخالف الله ورسوله والإيمان»([13]).

يقول أحد التائبين من الفكر الشيعي الدكتور موسى الموسوي: «إن التقية التي يتحدث عنها علماء الشيعة وأملتْها عليها بعض زعاماتها هي أن تقول شيئاً، وتُضمِر شيئاً، أو تقوم بعمل عبادي أمام سائر الفرق، وأنت لا تعتقد به، ثم تؤديه بالصورة التي تعتقد به في بيتك»([14]).

فالتقية كما قال محمد بن حسين الذهبي: «هي نظام سِرِّي يسيرون على تعاليمه، فيدعون في الخفاء لإمامهم المختفي، ويُظهرون الطاعة لمن بيده الأمر، فإذا قويت شوكتُهم أعلنوها ثورة مسلَّحة في وجه الدلالة القائمة الظالمة في زعمهم»([15]).

التقية عند الشيعة تبرير لكل تصرفاتهم التي لا تتفق مع عقيدتهم

والتقية توارثتها الأجيال الشيعية عبر الأزمنة، ويلجأون إليها عند تعارض أقوالهم مع أفعالهم، فإذا قيل لأحدهم: كيف لكم أن تُكفِّروا معاوية t، وقد تنازل له في الإمامة الحسنُ بن علي، وهو أحد أئمتكم قالوا: إن ذلك كان منه تقية، ولم يكن ذلك عن رضًى منه، وإذا قيل: كيف تقولون: إن علي بن أبي طالب كان مختلفاً مع عمر بن الخطاب t، وقد زوَّج بنته أمَّ كلثُوم لعمر بن الخطاب، يقولون: إن ذلك منه كان تقية، ولشرعنة هذه الطريقة روى الكليني عن أبي عبد الله أنه قال: «خالطوهم بالبرانية، وخالفوهم بالجوانية»([16]). يعني خالطوهم في الظاهر، وخالفوهم في الباطن، شأنُهم في ذلك شأن المنافقين مع النبي وصحابته في المدينة المنورة، فهذا الكليني يروي بسنده كذباً وزوراً عن أبي جعفر الصادق أنه قال: «التقية ديني ودين آبائي، ولا إيمان لمن لا تقية له»([17]).

 وبذلك تكون الشيعة الإمامية قد أساءت إلى أهل البيت بحيث اختلقوا عليهم خرافات وأكاذيب من عندهم يروونها عنهم في موضوع التقية، وصوَّروا أن أهل البيت  أناس جبناء يعيشون على حالة من الرعب في المجتمع، يفعلون غير ما يؤمنون، ويُظهرون خلاف ما يبطنون لأن معنى التقية عند الشيعة الإمامية: هي المصانعة والمداهنة، وهي في مفهومها: أن يظهر الشخصُ خلاف ما يبطن، وفي حقيقتها النفاق، والكذب، والمراوغة والبراعة في خداع الناس، ومع ذلك يعتبرونها أفضل الخصال لديهم، روى الكليني عن أبي عبد الله أنه قال لأبي عمر الأعجمي: «يا أبا عمر: إن تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له»([18]).

التقية عند الشيعة الإمامية وسيلة للتنصل من كل ما يلزمهم

والشيعي يستجيز خداع كلَّ من ليس على مذهبه بالتقية لإلحاق الضرر به في المستقبل، فيتظاهر بإنكار ما يعتقده باطناً، فلو سُئل أحدهم مثلاً عن أصولهم السبعة كوقوع التحريف في القرآن، أو القول بالبداء على الله، أو تكفير الصحابة يقول لك بكل سهولة: نحن لا نعتقد ذلك، فإن قلت له: هي موجودة في كتبكم التي هي الصحاح لديكم، قال لك: إنها روايات ضعيفة غير معتمدة لدى الشيعة الإمامية، فمذهبهم مبني على تأصيل الخيانة في أوسع أبوابها، وعلى النفاق بكل صوره وأشكاله، فهذا الكليني يروي في تثبيت عرش التقية عن أبي عبد الله أنه قال:«ما عُبد اللهُ بشيء أحب إليه من الخبء، قال: وما الخبء قال: التقية»([19]).

الشواهد الدالة على بطلان عقيدة التقية عند أئمتهم

 من تناقضاتهم في موضع التقية أنها تتعارض مع مواقف أئمتهم، لأنه لو أنها دين يجب الأخذ بها لوجب على الحسين بن علي رضي الله عنهما أن يأخذ بها يوم الكربلاء حيث تعرَّض هو وأبناؤه وبنو أعمامه للإبادة الجماعية، لأن المناوين له طلبوا منه أن يبايع يزيد بن معاوية، فرفض الحسين بن علي، وأصرَّ على ذلك حتى قُتل هو ومَن كان معه، فلو كان التقية ديناً لوجب عليه أن يأخذ بها حتى ينجو هو ومًن كان معه من القتل بحيث يبايع يزيد بن معاوية ظاهرا، ويخالفه باطناً، ولكنه رضي الله عنه أصر على موقفه في معارضة يزيد بن معاوية حتى قتل مظلوماً، وهذا الموقف الذي اتخذه الحسين بن علي في الكربلاء يقضي على عقيدة التقية من أساسها.

ثم إن كونه رضي الله عنه أصرَّ على موقفه، ولم يتراجع عنه حتى قُتل عليه  يؤكد أنه كان يرى أن الفضل هو قول الحق، وعدم المداهنة، وهذا الموقف يوافق ما نقل عنه قولاً في هذا الباب، فقد قال الحسين بن علي رضي الله عنهما: «إن التقية هي باب رخصة للمسلم إذا اضطر إليها، وخاف من ذي سلطان أعطاه غير ما في نفسه يدرأ عن ذمة الله، وليست باب فضل، وإنما الفضل في القيام بأمر الله، وقول الحق، وايم الله ما بلغ من التقية أن يجعل بها لعبد من عباد الله أن يضل عباد الله»([20]).

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم

وبانتهاء هذا المقال تنتهي المقالات في الشيعة الإمامية، وتليها مقالات في تمزيق وحدة الصومال بتخطيط أعدائه وتنفيذ أبنائه على أنني أُقدِّم قبل الشروع في نشرها مقالاً مفيداً مُستلًّا من كتاب أضواء البيان للعلامة الشيخ محمد المختار بن محمد الأمين الشنقيطي في حكم أهل الفترة.

([1]) ترياق القلوب (155).

([2] )

([3]) الأنوار النعمانية 1/ 31)

([4]) التفسير الصافي للقمي ( (2/ 390).

([5]) الحكومة الإسلامية ( ص 52) طبعة القاهرة.

([6]) الوصية السياسية للخميني ( ص 23).

([7] ) لسان الميزان لابن حجر  ( 3/ 259).

([8])  تفسير مجمع البيان للطبرسي( 2/ 234).

([9]) تفسير ابن كثير(5/ 372)

([10] ) مسند أحمد برقم   وسنن الترمذي برقم (3010) وسنن ابن ماجه (2/936)

([11]) مسند الإمام أحمد (1/ 48 ) مستدر الحاكم ( 3/ 145).

([12]) تفسير الطبري (6/ 313).

([13]) رسالة الاعتقادات، ص104).

([14]) ترياق القلوب ( ص 33).

([15]) التفسير  والمفسرون ( 4/130).

([16]) أصول الكافي (1/180).

([17]) أصول الكافي (2/ 219).

([18]) أصول الكافي (2/217).

([19]) أصول الكافي (2/218).

([20]) تهذيب تاريخ ابن عساكر (4/ 168).

 

لتحميل الرابط  اضغط هنا