الشيعة الإمامية الاثني عشرية بين الأمس واليوم المقال الثاالث

الشيعة الإمامية الاثني عشرية

بين الأمس واليوم

المقال الثاالث

كتبه الدكتور/ عمر إيمان أبوبكر

1443هـ= 2022م

مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما

كان يزيد بن معاوية فاسقاً مشهوراً بالفسق، يشرب الخمر بشراهة معروفاً بانحلال خلقه، قليل التدين غير أهلٍ للخلافة، لهذا رفض إمارتَه كثير من المسلمين، وكان من أبرز الرافضين له: الحسينُ بن علي، وعبدُ الله بن الزبير، فأما عبد الله بن الزبير ففد انحاز إلى مكة، وتحصَّن بها، وكان له فيها أعوان ومؤيدون، وأما الحسين بن علي رضي الله عنهما فقد كان له أتباع ومُؤيِّدون في الكوفة عاصمة والده، أو كان يظن كذلك، فأرسل الحسينُ بن علي مسلمَ بن عقيل ابن أبي طالب، وعبد الله بن يقطر، وهو أخو الحسيين بن علي من الرضاعة ـ إلى الكوفة واحداً تلو الآخر، وكان بالكوفة قبلهما هانئ بن عروة المرادي من أبرز وجوه أهل الكوفة المؤيدين للحسين بن علي، فاجتمع هؤلاء الثلاثة بمعظم أهل الكوفة سرَّا، فوجدوا منهم كل التأييد للحسين بن علي t، فكتب هؤلاء الرسل للحسين بن علي t ما لمسوه من أهل الكوفة من التأييد له، والوقوف معه إن طلب الحسين بن علي منهم أن يبايعوه، وكانوا صادقين فيما أخبروا به عن أهل الكوفة، ولهذا طلب هؤلاء الثلاثة من الحسين بن علي القدوم عليهم، قائلين له: في الكوفة العدد والعدة.:

خروج الحسين بن علي إلى الكوفة

 وبعد إلحاح منهم قرَّر الحسين بن علي ـ رضي الله عنهما ـ الخروج إلى الكوفة، وقبل ذلك استشار الحسينُ بن علي عبدَ الله بن عباس، وأخاه من أبيه محمد بن الحنفية، وأبا بكر بن عبد الرحمن المخزومي وغيرهم، فأشاروا عليه أن لا يخرج إليهم، وذكَّروه بغدر أهل الكوفة أباه عليا t وخذلانهم له سابقاً، فلم يأخذ الحسين بن علي بتلك المشورة، وقال لهم: إن يزيد بن معاوية لن يتركني حتى ولو بقيت في مكة إلا أن أبايعه، وأنا لا أستطيع أن أبايعه لكونه غير أهل للخلافة.

ولما عَلم يزيد بن معاوية ومَن كان معه بالشام من قادة بني أمية تحرُّكات الحسين بن علي t نحو الكوفة كتبوا إلى الوالي على الكوفة وقتئذ عبيد الله بن زيادٍ، فشرع الأخير في تخويف أهل الكوفة بالترهيب والترغيب معاً إن هم أيدوا الحسين بن علي، وبعد أيام قلائل تغيَّرَ موقفُ معظم أهل الكوفة، فمالوا إلى يزيد بن معاوية خوفاً من بطش جيش الشام، وطمعاً في المال والجاه لأن الشيعة هم في الأصل أهلُ جُبن، وغَدر، وخِيانة، وبعد أن تأكَّد لعبيد الله بن زياد أن الشيعة في الكوفة انصرفوا عن الحسين بن علي t شرع في تتبع رُسُل الحسين بن علي الثلاثة في الكوفة، فقتلهم جميعاً عن بكرة أبيهم على مرأى ومسمع من أهل الكوفة. ولم يحركوا ساكنا تجاه ذلك الحدث الجلل.

ولما بلغ الحسينَ بن علي خبرُ مقتلِ رسُله الثلاثة في الكوفة بين أتباعه من الشيعة، وأنهم نكثوا ما تعهَّدوا به من التأييد حَزِن لذلك حزناً شديداً، ومع ذلك قرَّر أن يواصل مسيرته إلى الكوفة على أمل أن يتصالح معهم على شيء،  ثم خطب في الناس الذين كانوا معه، وأخبرهم بما جرى لرجاله الثلاثة، وما آلت إليه أمرُ الكوفة من نكثهم للعهود، فخيَّر الحسين بن علي الجنود الذين كانوا معه قائلاً لهم: من أراد أن ينصرف عني فلينصرف، فانصرف عنه معظم من كان معه من القبائل والأعراب الذين انضموا إليه في الطريق، لأن خروجهم لم يكن إلا لنيل حظ من حظوظ الدنيا، فلما تأكَّدَ لهم خطورة الوضع تراجعوا عن موقفهم، فواصل الحسين بن علي السير نحو الكوفة، وكانوا زهاء سبعين رجلاً، نصفهم من الفرسان، وفيهم من ذرية الحسين بن علي وإخوته، وبني أعمامه سبعة عشر رجلاً سوى النساء.

ولما اقترب الحسين بن علي t من دخول أرض العراق أرسل إليه عبيد الله بن زياد والي الكوفة الحُرَّ بن يزيد الرياحي، ومعه ألفُ رجل من الجُند لِقَطْعِ الطريق على الحسين بن علي، ومنعه من دخول الكوفة، فالتقى الفريقان في أرض الكربلاء، وجرت بينهما مفاوضات، فطلب الحسين بن علي أن يتركوه حتى يدخل الكوفة، أو يسمحوا له بالرجوع إلى  مكة من حيث أتي، أو يذهب بمن معه إلى الثغور يقاتل الكفار حتى يلقى الله شهيداً، إلا أن وفد الكوفة رفض كل تلك العروض، وفي أثناء المفاوضات أرسل عبيد الله بن زياد جيشاً آخر،  قوامه أربعة آلاف بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص، كل هذا من أجل مجموعة قليلة من العُزَّل من آل البيت.

 فخيروا الحسين بن علي t بين أمرين:إما الاستسلام لهم ليذهبوا به إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة ليرى رأيه فيه، أو يقاتلوه حتى يقتلوه، فلم يكن أمام الحسين بن علي خيارٌ غير مقاتلة هؤلاء، لأنه إن استسلم لهم سيكون مصيره القتل بأبشع صورة مع الإذلال والمهانة، ففضَّل أن يُقتَل، وهو يدافع عن نفسه، وبعد جولات وجولات من الحرب قُتل الحسين ومن كان معه من أهله، ورجاله، ولم ينج من القتل إلا النساء، ومن الرجال إلا علي بن الحسين زيد العابدين لكونه كان مريضاً وقت المعركة، فاعتزل الحرب، وقيل كان صغيراً لم يبلغ الحنث، فتركوه لصغره.

ومن خلال ما تقدم من عرض القصة من أولها إلى آخرها يتبين لنا أن الشيعة هم الذين قتلوا الحسين بن علي رضي الله عنهما لأنهم هم الذين استقدموه إلى الكوفة، ولما اقترب منهم خذلوه، وتفرقوا عنه، وتركوه وحيداً يواجه مصيره بنفسه، ولم يكتفوا بخذلانه بل باشروا بقتله لأن معظم جيش أهل الكوفة كان من الشيعة، وإن كان قيادة الجيش عمر بن سعد بن أبي وقاص، ولم يكن هو من الشيعة، فليته أخذ موقف أبيه سعد بن أبي وقاص t فإنه قد اعتزل الحرب التي جرت بين علي بن أبي طالب ومعاوية رضي الله عنهما، ولم يشارك فيها.

بكاء الشيعة على الحسين بن علي فضيحة

أبعد هذا يحق للشيعة أن يبكوا على الحسين بن علي رضي الله عنهما أم الواجب عليهم أن يسكتوا عنه خوف تلك الفضيحة، ولكن الشيعة بغبائهم يريدون بحركاتهم البهلوانية من اللطم والضرب والعويل على تغطية فضائحهم التاريخية في حق الإمامين علي بن أبي طالب وابنه الحسين بن علي رضي الله عنهما.

 الشيعة وفرقها

الشيعية تنقسم إلى فرق متعددة، وقد أوصلها المسعودي صاحب كتاب مروج الذهب (المتوفى سنة 346هـ) وهو شيعي([1]) إلى ثلاث وسبعين فرقة،  في حين أرجع أبو الحسن الأشعري الشيعةَ إلى ثلاث فرق رئيسية، وهي الغالية، والرافضة، والزيدية، ثم قسم كلاً منها إلى أقسام حتى وصل مجموعُها إلى خمس وأربعين، ثم قال: هذه هي جمهور فرق الشيعة ([2]).

والشيعة اليوم تنقسم إلى فرقتين رئيسيتين: الفرقة الأولى: الإسماعيلية، وقد تفرَّع منها القرامطة، والدروز، والعبيديون الفاطميون، وليس لهم تأثير في الساحة اليوم. الفرقة الثانية: وهي الإمامية الاثنا عشرية، وهي اليوم غالب الشيعة في إيران، ولبنان، والخليج، وأخيرا الحوثيون في اليمن.

ونحن في هذا البحث نقتصر على الحديث عن الشيعة الإمامية لأنها الحاضرة في الساحة، ولها نفوذ قوي في العالم الإسلامي لاسيما بعد نجاح الثورة الخُمينية.

فالشيعة الإمامية ويقال: الاثنا عشرية، أوالجعفرية: كلها أسماء على مسمى واحد، سُميت هذه الفرقةُ باثني عشرية لأنها تعتقد إمامة اثني عشر إماماً. تبدأ بعلي بن أبي طالب، وتنتهي بمحمد بن حسن المهدي المنتظر الذي دخل في السرداب في نظرهم، وهو صغير، وينتظرون خروجه حتى اليوم، والسرداب يقع في دار في مدينة سامراء بالعراق، وهو المكان الذي شُوهد آخر مرة فيما زعموا.

ذكر الأئمة الاثني عشر بالتفصيل، وهم على النحو التالي:

1ـ علي بن أبي طالب بن عبد المطلب رضي الله عنه ( ت 40هـ).

 2ـ الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما (ت 50 هـ).

 3ـ الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما( ت 61هـ).

 4ـ علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بزين العابدين. الملقب بعلي السجاد رحمه الله ( ت 94هـ).

5ـ محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بمحمد أبو جفعر الباقر ـ رحمه الله ـ ( ت 114هـ).

 6ـ جعفر بن محمد بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بالصادق رحمه الله ( ت 148هـ).

 7ـ موسى بن جعفر بن محمد الصادق المعروف بموسى الكاظم رحمه الله ( ت 183 هـ).

 8ـ علي بن موسى بن جعفر المعروف بعلي الرضا رحمه الله ( ت 148 هـ).

 9 ـ محمد بن علي بن موسى بن جعفر المعروف بالجواد رحمه الله ( ت 220هـ).

 10 ـ علي بن محمد بن علي بن موسى المعروف بعلي الهادي رحمه الله ( ت 254هـ.

 11ـ الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى المعروف بالحسن العسكري رحمه الله ( ت 260هـ).

 12 ـ محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن موسى المعروف بالمهدي، رحمه الله  ينتظرون خروجه، (وهي شخصية خيالية لا وجود لها في حقيقة الأمر).

فكل واحد من هؤلاء من الأسفل إلى الأعلى: ابن للذي قبله إلا الحسن والحسين فهما أخوان، وليس أحدهما ابناً للآخر.

الشيعة الإمامية والدولة

        بما أن الشيعة الاثني عشرية لم تكن ترى فيما مضى إقامةَ دولةٍ، ولا جهاداً في سبيل الله، ولا أمراً بالمعروف، ونهياً عن المنكر، ولا وجوب إقامة جمعة، ولا جماعة. فكل تلك الوظائف معلقة في نظرهم بوجود الإمام المعصوم أي أنها مؤجلة في التنفيذ إلى ظهور الإمام المنتظر، فلا يجوز لأحد غيره أن يباشر بها، لأنها من خصائص الإمام الأعظم الذي هومحمد المهدي الذي لا زال في السرداب، ولهذا فقد كان الناس فيما مضى في عافية من دور الشيعة الإمامية في السياسة، فقد أُميتت بيد أصحابها حيث علقوا كلَّ نشاط ديني، أودنيوي بالإمام المنتظر، وهو في الحقيقة إنسان لا وجود له، فالشيعة الإمامية في الماضي أموات غير أحياء.

دخول عقيدة الإمامية في مأزق حقيقي

 بعد أن طال انتظار الإمام، ومرَّ على اختفائه أكثر من ألف ومائتين لأنه اختفى فيما زعموا عام (266 هـ) فصعُب على علماء الشيعة ومُنظِّريها إقناع الناس بانتظار الإمام محمد بن المهدي أكثر من ذلك، فصاروا بين أمرين: أحلاهما مر.

الأمر الأول: أن يُقرُّوا ببطلان عقيدة الانتظار، وأن ليس هناك من إمام يُنتظر، وأن القول في اختفاء الإمام كان خطأ مُتعمَّداً من بعض قُدماء علماء الإمامية، فإنهم لو أقرُّوا بهذا الأمر، ـ وهو الصواب في واقع الأمر ـ  لكان فيه قضاء على عقيدة الفرقة الإمامية من أساسها. الأمر الثاني:أن يتشبثوا بعقيدة الانتظار للإمام الغائب إلى الأبد، وإلى أجل غير مسمى، وهذا وإن كان أخف ضرراً على العقيدة الإمامية من الأمر الأول، لكن لم يَعُد مقبولاً عند شريحة من أتباع هذه العقيدة لاسيما الشباب العقلاني منهم، ولو استمروا عليه لفقدوا كثيراً من أتباعِ المذهب في هذا الجيل، وخروجاً من هذا المأزق استحدثوا ولاية الفقيه التي تَعني في مضمونها نقل صلاحية الإمام المنتظر الذي في السرداب إلى نائبه:  الفقيه في قيادة الأمة، وإقامةِ حُكم الله على الأرض.

ولاية الفقيه ليس فيها حل لمعضلة غياب الإمام المنتظر

ولاية الفقيه هي من المُهَدِّئات، وليس فيها حلٌّ جذري لمشكلة غياب الإمام الذي طال انتظاره، بل هي أشد غموضاً من الانتظار، لأنه يجوز لقائل أن يقول: كيف أمكن نقلُ الصلاحية من الإمام المنتظر، فمن الذي اجتمع به حتى أخذ منه موافقته على نقل الصلاحية للفقيه، فليس هناك أحد يقدر أن يتجرأ على القول بذلك. فلم يبق إلا أن يقولوا: إن ولاية الفقيه استُحدثت بالاجتهاد، ويترتب على القول به نَسْفٌ لكل المواقف التي تبناها علماء الإمامية عبر العصور الغابرة من أن ذلك حق إلهي اختص به ذلك الإمام فقط، وليس لغيره أيُّ حق فيه، كيف، وقد أوقف أئمة مذهب الإمامية عجلة الحياة لمئات السنين بحيث ربطوها بالإمام المنتظر، فكيف لإمام في هذا العصر أن يفتح الباب على مصراعيه ليدعي نقل صلاحية ذلك الإمام إلى ولاية مستحدثة باجتهاد من بعضهم.

ولاية الفقيه نشأةً وتطبيقاً

 نشأت ولاية الفقيه على يد أحمد النراقي المتوفى (سنة 1209هـ) وهو مؤلف كتاب (عوائد الإمام في بيان قواعد الأحكام) فهو الذي أرسى قواعد ولاية الفقيه، وإن سبقه غيره في الحديث عنها بشكل مقتضب.

تعريف ولاية الفقيه

ولاية الفقيه كما عرفها أهلها: هي نيابة عن الإمام المنتظر في قيادة الأمة، وإقامة حكم الله على الأرض مستمدة منه، وبعبارة أخرى، هي نقل صلاحية الإمام إلى ولاية الفقيه قال رضا الهمداني: «لكن الذي يظهر بالتدبر إقامةُ الفقيه المتمسك برواياتهم مقامَه بإرجاع عوام الشيعة إليه في كل ما يكون الإمام مرجعاً فيه كي لا يبقى شيعته متحيرين في أزمنة الغيبة»([3]).

ومن ذلك الوقت بدأوا يُطوِّرون ولاية الفقيه، ويرفعونها إلى مقام أئمتهم الاثني عشر، فقد أُنيط بالفقيه كل مهام الإمام المنتظر، وكذلك كل فعل متعلق بأمور العباد في دينهم ودنياهم، وبذلك حصل علماء الشيعة الإمامية جواباً على الأسئلة التي كانت تطرح عليهم من أتباعهم بإلحاح إلى متى ننتظر خروج الإمام، فيقولون لهم اليوم: مالك وللإمام المنتظر، فكل صلاحيته التي كانت معلقة به قد حُوِّلت إلى ولاية الفقيه، فهو الذي يباشرها نيابة عنه، ولم يبق شيء يتعلق به من أمور الدين والدنيا غير ظهوره، فهذا متروك له، يظهر متى يشاء في الوقت الذي يراه مناسباً.

ولخطورة ولاية الفقيه وتباعاتها على أتباع الشيعية الإمامية بقيت حبيسة في الكتب دون التطبيق مطروحة للتنظير فقط، ولم تر النور إلا بعد وصول الخميني إلى سُدَّة الحكم في إيران، وحينما وصل الأمر إلى الخميني تحول من كونه مرشداً روحياً إلى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية.

صلاحيات ولاية الفقيه

 والصلاحية الممنوحة للفقيه عبر عنها أحدهم بقوله: «إن كل الأدلة التي تثبت بها الإمامة هي نفسها تثبت بها الولاية للفقيه، وبالتالي تنتقل تلك الصلاحيات نفسها التي هي للإمام إلى الفقيه.فكونه فقيهاً يعني أنه مطلق التصرف كوريث للنص الذي يحدد عين الإمام المعصوم في الإمامة الإلهية بحيث ينحصر الحكم في الفقهاء، ويمنع عمن سواهم، وبهذا يكون الولي الفقيه فوق الدستور، الذي يحكم فيه الفقيه الشعب باسم الإله»([4]).

ولتثبيت عرش ولاية الفقيه قالوا: لا بد أن ينالها بمنحة إلهية، وقد تم له ذلك بنقل صلاحية الإمام المنتظر إليه عن طريق الاجتهاد، ثم لابد أن يضاف إليها شرعية شعبية، وذلك عن طريق انتخابه من قبل مجلس الخبراء المنتخب من قبل الشعب، ويسمى مجلس التشخيص، وكان الخميني أول من أنيطت به ولاية الفقيه.

عقائد الشيعة الإمامية الاثنا عشرية

 العقائد الشيعية التي خالفوا فيها الأمة كثيرة، ولكن أبرزها سبعة، وهي على النحو التالي:

1ـ القول بالبداء على الله

2ـ الإيمان بتحريف القرآن الكريم

3ـ الإيمان بالرجعة إلى الدنيا قبل يوم القيامة

4ـ الإيمان بعصمة أئمتهم، وأنهم يعلمون الغيب

5ـ  تكفير الصحابة إلا آل البيت وقلة من الصحابة، وهم سبعة.

6ـ إنكار سنة النبي r الموجود بأيدي أهل السنة جملة وتفصيلاً.

7 ـ العمل بالتَّقِيَّة.

 وهناك أموركثيرة أخرى خالفوا فيها الأمة، ولكن تلك السبعة هي الأبرز لأن كل واحدة منها تُعَدُّ ناقضاً من نواقض الإسلام.

1 ـ القول بالبداء على الله

البداء عند الشيعة الرافضة الإمامية: أصل من أصول الدين، وركن من أركان عقيدتهم. والبداء معناه في اللغة: هو الظهور بعد الخفاء أي أن يعلم الشخص بالشيء بعد الجهل عنه.

والبداء عند الشيعة نوعان: بَداء في العلم، وهو أن يظهرَ لله خلافُ ما عَلِم، وبداء في الإرادة، وهو أن يظهر له صوابٌ على خلاف ما أراد، وحكَم.

والقول بالبداء بنوعيه كفرٌ صريح لما فيه من نسبة الجهل إلى الله، وعدم علمه بعواقب الأمور. وأصل البداء مأخوذ من اليهود كما هو معروف في مراجع اليهود. ونحن هنا للأمانة ننقل مذهبهم في هذه الأصول عن كتبهم الأربعة المعتمدة لديهم، وهي الصحاح عند الشيعة الإمامية: وهي كالتالي:

أولها: كتاب الكافي لأبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني الملقب بحجة الإسلام المتوفى سنة: (329هـ).

والثاني: كتاب من لا يحضره الفقيه لمحمد بن بابويه القمي الملقب بالصدوق المتوفى سنة (381 هـ ).

الثالث والرابع: هما كتاب تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، وكتاب الاستبصار فيما اختُلف من الأخبار، كلاهما لمحمد بن  الحسن الطوسي المتوفى سنة (460هـ).

وهذه الكتب الأربعة هي الصحاح عند الشيعة الإمامية قال الفيض الكاشاني: «إن مدار الأحكام الشرعية اليوم على هذه الأصول الأربعة، وهي المشهود عليها بالصحة من مؤلفيها».([5]).

معنى البداء عند الشيعة الإمامية

قال الطوسي: وهو يشرح معنى البداء عند الشيعة: «وأما البداء فحقيقته في اللغة الظهور كما يقال: بدا لنا سورُ المدينة، وقد يُستعمل في العلم بالشيء بعد أن لم يكن حاصلاً، وذكر سيدنا المرتضي: يمكن حمل ذلك على حقيقته بأن يقال: بدا لله بمعنى ظهر له من الأمر ما لم يكن ظاهراً، وبدا له من النهي ما لم يكن ظاهراً »([6]).

وللبداء عند الشيعة الإمامية مكانة عظيمة في عقيدتهم فقد روى الكليني في الكافي بسنده عن زرارة ابن أعين: أنه قال: «ما عُبد الله بشيء مثلُ البداء»([7]) وفيه أيضاً أن مالك الجهني قال: «لو علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما افتروا من الكلام فيه»([8]).

ومن الأمثلة التطبيقية للبداء على الواقع ما رواه الكليني في كتاب الكافي من  القسم الثالث (روضة الكافي) بسنده عن أبي جعفر وأبي عبد الله أنهما قالا: (إن الناس لما كذَّبوا برسول الله r همَّ الله ـ تبارك وتعالى ـ بهلاك الأرض إلا عليا، ثم بدا لله، فرحم المؤمنين، ثم قال للنبي r:( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين»([9]).

وهذا نص صريح يدل على أن البداء عندهم ظهور الشيء لله بعد جهله عنه ـ تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً ـ.

والبداء بمعنى العلم بالشيء بعد الجهل عنه هو الذي عليه جمهور الشيعة الإمامية، ولا ينفعهم التنصل من مذهبهم في البداء إلى القول بأن المراد به هو النسخ، فهذا وإن كان موجوداً عند قلة منهم إلا أن ذلك ليس هو المعمول به عند جمهورهم في المذهب، بل المشهور عنهم يعلم القاصي والداني أن البداء هو العلم بالشيء بعد الجهل عنه، وهو المعروف عنهم عند الجميع، قال الجاحظ المعتزلي في كتاب الحجج في النبوة، وهو معاصر أئمتهم الأولى: «ليس على ظهر الأرض رافضي إلا وهو يزعم أن ربه مثله، وأن البداوات تَعرِضُ له، وأنه لا يعلم الشيءَ قبل كونه إلا بعلم يَخلقه لنفسه»([10]).

وهذا هو الذي نقل عنهم كبار العلماء المتخصصين في الفرق، فلا يقبل منهم جحد لما تبنَّى به أئمتهم. قال أبو الحسن الأشعري: «وعامة الروافض يصفون معبودهم بالبداء، ويزعمون أنه تبدو له البداوات، ويقول بعضهم: قد يأمر، ثم يبدو له، وقد يريد أن يفعل الشيء في وقت من الأوقات، ثم لا يفعله لما يحدث له من البداء، وليس على معنى النسخ، ولكن على معنى أنه لم يكن في الوقت الأول عالماً بما يحدث له من البداء»([11]).

وقال ابن تميمة: «كثير من شيوخ الرافضة يقولون: يجوز البداء عليه، وأنه يحكم بالشيء، ثم يتبين له ما لم يكن علمه، فينتقض حكمه لما ظهر له من خطئه»([12]).

ولما اشتد النكير على الشيعة الإمامية بسبب تجويزهم البداء على الله، وكفَّرهم بذلك أهلُ السنة والجماعة، وجميع الفرق الإسلامية الأخرى لما في البداء من نسبه الجهل إلى الله تراجع بعضُهم عن هذا القول إلى الأخذ بالرواية الثانية التي قال بها بعض الشيعة الإمامية، فقد جاء في باب البداء من كتاب الكافي عن أبي عبد الله جعفر الصادق أنه قال:«إن الله لم يبد له من جهل، وسئل هل يكون اليوم شيء لم يكن في علم الله بالأمس، قال: لا، من قال: هذا فأخزاه الله، قيل: أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة، أليس في علم الله؟ قال: بلى، قبل أن يخلق الخلق»([13]).

وقال الطوسي: «وعلى هذا يُتأول أيضا ما رُوي من أخبارنا المتضمنة للبداء، ويُبيَّن أن معناها النسخ على ما يريده جميع أهل العدل فيما يجوز فيه النسخ، أو تغير شروطها إن كان طريقها الخبر عن الكائنات»([14])

ملحوظة: فالتنقل بين الروايات بأخذ إحداها إذا صعُب عليهم الدفاع عن الأخرى من دأْب الشيعية الاثني عشرية، وهذا داخل في الأخذ بالتَقِيَّة للتستر بها لقصد التعامل مع الناس بوجهين مختلفين.

هدفهم من القول بالبداء عند الشيعة الإمامية

يحق لنا أن نتساءل فنقول: ما الذي أحوج الشيعة الإمامية إلى القول بالبداء مع ما فيه من تشويه مذهبهم به لما فيه من إساءة الأدب مع الله بنسبة الجهل إليه.

الجواب: أن هناك مصالح عظيمة تتحقق بها من خلال هذه العقيدة لائمة الشيعة الذين يزعمون أنهم يعلمون الغيب، وأنهم معصومون من الخطأ، فاستحدثوا البداء ليتخذوه ذريعة في تبرير كذبهم إذا خالف الواقعَ، قال محماس الجلعود،: «والقول بالبداء على الله إنما يريد به الشيعة الإمامية تبرير ما يقولون من كذب وافتراء على الله، فهم إذا قالوا بقول، أو تكلموا بأمر، ثم كان الواقع خلاف ذلك، قالوا: بدا لله أن لا يفعل ذلك، فيخرجون من تبعة الكذب، وانكشاف الباطل بهذا الغدر الموهم الخداع»([15]).

 وقد بلغ الأمر بأئمة الشيعة أنهم يَنسِبُون إلى الله ما لا يَرضون أن يُنسب إليهم، فبدلاً من الاعتراف بعدم علمهم بالغيب إذا وقع خلاف ما أخبروا به يُحمِّلونه على علَّام الغيوب، فيقولون: بدا لله خلافُ ما أخبرنا به سابقاً، يفعلون ذلك لئلا تسقط عنهم هيبتهم أمام الناس بسبب العصمة التي ادعوها لأنفسهم زورا وبهتاناً.

([1] ) قال ابن حجر في كتابه لسان الميزان إن المسعودي كان شيعيا معتزليا، واسمه علي بن الحسين الهذلي البغدادي.

([2]) مقالات الإسلاميين ( 1/ 88).

([3]) مصباح الفقيه (3/160).

([4])

([5]) كتاب الوافي للكاشاني( 1/11] .

([6]) كتاب العدة (

([7]) أصول الكافي (1/ 146).

([8]) الكافي (1/ 148).

([9]) روضة الكافي وهو القسم الثالث من كتاب الكافي المخصص للأحاديث في مواضيع شتى ( ص 78).

([10]) نقله عنه شيخ الإسلام بن تيمية في منهاج السنة (1/73).

([11]) مقالات الإسلاميين (ص: 492).

([12]) منهاج السنة (3/ 394).

([13]) الكافي (317).

([14]) العدة ؟؟؟ ( ص (351).

([15]) الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية (2/ 553)