الشيعة الإمامية الاثني عشرية

الشيعة الإمامية الاثني عشرية

بين الأمس واليوم

المقال الأول

كتبه الدكتور/ عمر إيمان أبوبكر

1443هـ= 2022م

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم أما بعد فهناك أساب كثيرة دعتني إلى الكتابة في هذا الموضوع منها:

أولا: إنني كنت قد ألقيت في السابق سلسلة من المحاضرات باسم (البصائر) وكان من بين تلك المواضيع موضوع (الشيعة الإمامية الاثني عشرية) وقد تناولته في تلك السلسة بشيء من الإيجاز والاختصار بما كان يسمح به وقت البرنامج، وكان ذلك باللغة الصومالية، وبعد مرور مدة من الزمن رأيت أن أعود إلى بعض تلك المواضيع لأهميتها، ولتعم الفائدة بأكبر شريحة من الناس ترجمناها باللغة العربية مع التوسع في مادتها، وبإضافة زيادات تشتمل على عناصر جديدة مع توثيق المعلومات من مصادرها الأصيلة.

ثانيا: جهلُ كثيرٍ من الشعوب المسلمة عن حجم الخلاف بين السنة والشيعة بحيث يظن كثيرٌ منهم أن الخلاف بيننا وبينهم كالخلاف بين المذاهب الفقهية الأربعة غير مدركين أن الأصول السبعة التي هي العمدة في عقيدة الشيعة الإمامية كلها من نواقض الإسلام كتجويز البَداء على الله، والإيمان بوقوع التحريف في القرآن، وتكفير جمهور الصحابة بمن فيهم الخلفاء الراشدون غير علي بن أبي طالب، والإيمان برجعة آل البيت إلى الدنيا قبل يوم القيامة وغير ذلك من نواقض الإسلام، ولا نغتر ببعض الروايات الموجودة في مراجعهم تتنصل من الإيمان بتلك العقائد أو بعضها، وذلك للتقية لا غير.

ثالثا: الخطورة التي يشكلها هذا التيار الشيعي على الأمة الإسلامية في الوقت الحالي بعد نجاح ثورة الخميني، واجتياحها لدول عربية كالعراق، وسوريا، واليمن، ولبنان، وبسط نفوذها عليها بحيث صارت تلك الدول تابعة لإيران كأنها ولايات منها، ولا زالت إيران تتمدد شرقاً وغرباً، ساعدها على ذلك تقصيرُ رؤساء وملوك العالم الإسلامي عن دورهم المنوط بهم في حمل رسالة الإسلام مما أفسح المجال أمام الدعاية الإيرانية أن تعمل عملها في تأثير عوام المسلمين حتى ظنوا أن تلك الثورة تمثلهم، وأنها حقاً هي المتحدثة باسم الإسلام، والمدافعة عنه.

رابعاً:استمعت إلى محاضرة ألقاها الأستاذ محمد بن مختار الشنقيطي المقيم في قطر باسم (الشيعة والسنة بين التواصل والقطيعة) وهي لا زالت موجودة في اليوتيوب) فهالني ما جاء فيها من تقليل حجم الخلاف بين الشيعة والسنة، وحصرِه في أمور قابلة للاجتهاد كالولاء لعلي بن أبي طالب، والإيمان بالأئمة الاثني عشر، والتولي والتبري([1]) مع سكوته عن العظائم التي هي من صميم عقيدهم، وهي من نواقض الإسلام، وحينما تعرَّض لذكرها ذكرها على استحياء مقللاً من شأنها باعتبار أنها أقوال شاذة غير معتمدة لديهم، فعلمت وقتها أن الأستاذ وقع ضحية لألاعيب الشيعة وأساليبهم القذرة عبر التاريخ في الأخذ بمبدأ التَّقِيِّةِ يُقرِّرُون قولاً، ثم يُفرِّعون عنه رواية مخالفة لتكون لهم مندوحة عن الالتزام بتلك النواقض السبعة، والأستاذ معذور في ذلك، فقد تابع في هذا علماء أجلاء كانوا مخدوعين بالثورة الخمينية حتى تكشفت لهم حقائقها بارتكابهم عظائم الجرائم في عموم أهل السنة والجماعة في سوريا والعراق واليمن، وعندئذ تراجعوا عن تأييدهم الأعمى.

وخذ مثالا على ذلك بمسألة وقوع التحريف في القرآن لخَّصه محمد مرتضي الكاشاني أحد مراجع الشيعة في وقته عندهم في مقدمة كتابه المسمى “تفسير الصافي في قوله: إن اعتقاده بتحريف القرآن ليس بدعاً من علماء الإمامية الذي يُقِرُّون بتحريف القرآن، بل يذكر أنه سبقه في ذلك كبار علمائهم أمثال الكليني، والقمي والطبرسي، وفي ذلك يقول: لم يبق لنا اعتماد على شيء من القرآن إذ على هذا يحتمل كل آية منه أن يكون محرفاً، ومُغيَّراً، ويكون على خلاف ما أنزل الله، فلم يبق لنا في القرآن حجة أصلاً، فتنتفي فائدته، وفائدة الأمر باتباعه، والوصية بالتمسك به إلى غير ذلك»([2]).

ثم إن الأستاذ يقول وهو يتحدث عن التقية لديهم إنها مواقف سياسية عند التعامل مع الآخرين، أقول: ليست التقية مواقف سياسية بل هي عندهم دين يلتزم الشيعي في جميع أحواله في اليسر والعسر، والأمن والخوف، يروي الكليني في كتابه عن أبي جعفر الصادق أنه قال: «التقية ديني ودين آبائي، ولا إيمان لمن لا تقية له»([3]).

ومما زاد الطين بلة أن الأستاذ قال بكل جرأة: كل ما في صحيح البخاري من المتون هو في كتاب الكافي للكليني مع اختلاف الأسانيد، وهذا من عجائب الأمور، فتسوية صحيح البخاري بكتاب فيه تجويز وقوع التحريف في القرآن، وعصمة الأنبياء، وعلمهم بالغيب، والإيمان بالرجعة قبل القيامة، وغير ذلك من الطامات لهو التمييع بعينه، وقد أجمعت الأمة على صحة كل الأحاديث المسندة في صحيح البخاري في حين يصعب عليك أن تجد حديثاً صحيحاً في كتاب الكافي، بل غالبية ما فيه موضوعات تناقض الإسلام جملة وتفصيلاً، ولو عكس الأستاذ المسألة فقال: كل ما في صحيح البخاري ليس منه شيء في كتاب الكافي لكان أقرب إلى الصواب.

وقد ظهر لي أن أزمة المثقفين العرب أنه إذا فُتح لأحدهم باب في القراءة والمطالعة يحسب أنه وحده يملك الحقيقة المطلقة، وغيره لا يعرف شيئاً، وعلى ضوء ذلك يعامل جمهوره الذين يستمعون إليه، فيستخف عقولهم، وكل ما أرجوه من الأستاذ أن يقرأ من جديد كتاب الكافي للكليني الذي يعتبر لدى الشعية الإمامية أصح كتاب عندهم في الحديث ليقف على حقيقة ما لدى الشيعة من الانحراف، وأنا أعرض على الأستاذ ما قاله المرشد الأعلى آية الله الخميني الذي هو نائب عن الإمام الغائب في تصريف شؤون العباد في أمور الدنيا والآخرة ليتبين بذلك للأستاذ أن المسألة أكبر من أن تكون اختلاف وجهات نظر قال الخميني:«إن للإمام مقاماً محموداً، ودرجةً ساميةً، وخلافةً تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميعُ ذرَّات هذا الكون، وإن من ضروريات مذهبنا أن لائمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل»([4]).

فما موقف الأستاذ من مثل هذا الاعتقاد الذي يؤمن به الخميني ومن ورائه جميع الشعب الإيراني من ادعاء علم الغيب، اللهم إنا نعوذ بك من الحور بعد الكور، ومن أراد أن يعرف حقيقة الشيعة الإمامية فليرجع إلى أهل السنة في سوريا والعراق واليمن، ليدرك مدى عداوة الشيعة الإمامية لأهل السنة، وأنا أقول ـ وأنا واثق مما أقول: ليس للشيعة الإمامية عدو غير أهل السنة والجماعة.

التعليق على قضيتين من القضايا التي اشتهرت بهما الشيعة

وقبل الشروع في الحديث عن الشعية ونشأتها وفرقها وعقائدها أحب أن أعلق على قضيتين اشتهرت بهما الشيعة: إحداهما قديمة، والأخري حديثة، أما القديمة فهي البكاء، والعويل، ولطم الخدود، والصدور، والظهور حزناً على مقتل علي بن أبي طالب وابنه الحسين رضي الله عنهما.

وأما الثانية الحديثة، فهي ظهور الشيعة في الآونة الأخيرة بمظهر المدافع عن الإسلام، وكلتا القضيتين كذب و هراء يراد بهما تحقيق أهداف أخرى غير المعلنة، وسأحدثكم عن ذلك بالأدلة والبراهين.

 أما القضية الأولى فهي ما اشتهرت به الشيعةُ قديماً من البكاء، والعويل، ولطم الصدور، وإسالة الدماء من جميع الجسد وإقامة المآتم التي لا تنقطع حزناً فيما زعموا على مقتل علي بن أبي طالب وابنه الحسين بن علي رضي الله عنهما وقصدُ الشيعة من هذا كله هو صرف الأنظار عن الجرائم التي ارتكبتْها في حق الإمامين لتعريضهما للقتل وخذلانهما أمام خصمهما هذا من جهة، ومن جهة ثانية شحن النفوس، وتحريك الجماهير من أجل تأجيج عواطفها، وتأليبها على معاداة أهل السنة، وإلصاق تهمة قتل الإمامين بهم لأن أهل السنة كلهم في نظر الشيعة نواصب، وهذه مكابرة وجحد للحقائق التاريخية، من أن أهل السنة وسط بين الشيعة والنواصب، فالنواصب من يناصب العداء لعلي ابن أبي طالب ومن كان معه من آل البيت، والشيعةُ من شايع علياً وتظاهر بنصرته، ويعادي بقية الصحابة، وأهلُ السنة هم وسط بين الفريقين، فهم يوالون جميع الصحابة، ولا يعادون أحداً منهم، وما جرى بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان من الحروب رضي الله عنهم أجمعين فهو عندهم بين صواب مأجور، وخطأ مغفور، فكل منهما قصد نصرة الحق، ولم يكفر أحدهما الآخر، وقد طُوي صفحةُ ذلك الخلاف بتنازل حسن بن علي بن أبي طالب لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم، فتحققَ في الحسن بن علي ما أخبر به النبي r عنه بقوله r( إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله بين فئتين عظيمتين من المسلمين).

الاعتراف بالحق فضيلة

ولو كان عند الشيعة رجولة لمنعَهم الحياءُ من البكاء عليهما لأنهم هم الذين خذلوهما وعرَّضوهما للاغتيال والقتل، أقول ذلك: لأن الإمامين لم يُقتلا في دمشق موطن خَصْمهما معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، بل تمَّ اغتيال علي بن أبي طالب داخل الكوفة، وهي المدينة التي اتخذها عاصمةً له في إمارته، والشيعة متوافرون، ولم يوفروا وهو إمام المسلمين حمايةً كافيةً مع علمهم بأنه مستهدف من جهات كثيرة، فقتله عبد الرحمن بن ملجم، وهو يمشي وحيداً ليس معه حُراس، ولا شرطة.

 وأما الحسين بن علي رضي الله عنهما فقد قُتل في صحراء كربلاء من أرض العراق، قتله جيش أهل الكوفة الشيعي بشهادة الجميع كما سيتبين ذلك لاحقا، فلما لم تستطع الشيعة أن تدافع عنهما دفاع الرجال الأبطال، ولم تصبر على المصيبة في قتلهما صبر المؤمنين لم يكن أمامها إلا البكاء عليهما سائر الدهر كبكاء النساء الثكالى.

 ولهذا فالشيعة بغبائهم يريدون بحركاتهم البهلوانية تلك من اللَّطم والضرب والعويل على تغطية فضائحهم التاريخية في حق الإمامين علي بن أبي طالب وابنه رضي الله عنهما فيما حل بهما بسبب خذلان الشيعة لهما.

 ثم لماذا البكاء عليهما فقط، وقد عظُم الخطب الجلل في حق الأمة قبلهما وبعدهما، فقد قُتل عمر بن الخطاب وعثمانُ بن عفان، وهما أفضل من علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، بل أقول: لو جاز البكاء على أحد أبد الدهر لعِظََمِ الظُّلم الذي وقع عليه  لكان عثمان بن عفان أولى بالبكاء عليه مِن علي بن أبي طال لأن الطريقة التي قُتل بها عثمان بن عفان كانت أقبح وأفحش من الطريقة التي قُتل بها علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فقد قتل عثمان بن عفان، وهو خليفة المسلمين في داره، والمصحف بين يديه يقرأ من قبل مجموعة من الظلمة تآمروا على قتله على حين غِرَّة من المسلمين تسللوا إلى المدينة المنورة، فأحاطوا بداره حتى اقتحموها من الخلف، وقتلوه بطريقة يندى لها الجبين، وينفطر من هولها القلب.

 وسنعود إلى قصة قتل الإمامين عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وكذلك قتل الحسين بن علي بالتفصيل لما ارتبط بقتلهم من أحداث تاريخية لا يمكن تجاوزها بحال لمن ينظر في موضوع الشيعة الإمامية.

ملحوظة: بقي أن أشير إلى أن الشيعة الإمامية صوَّروا أهل البيت أنهم أناس جبناء يعيشون على حالة من الرعب في المجتمع الإسلامي، يفعلون غير ما يؤمنون، ويُظهرون خلاف ما يبطنون، فإذا قيل لهم: إذا كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما حذفا من القرآن كل الآيات التي تدل على ولاية علي بن أبي طالب، فلما ذا سكت علي بن أبي طالب t على ذلك قالوا: إن ذلك كان منه تقية، وإذا قيل لهم: إذا كان بين علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب عداوة كما تزعمون، فلِمَ زوَّج علي بن أبي طالب بنته أم كلثوم لعمر بن الخطاب قالوا: إن ذلك كان تقية، وإذا قيل لهم: لما ذا تنازل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان، ومعاوية في عقيدتكم كافر، قالوا: إن ذلك كان تقية من الحسن بن أبي طالب، يقولون هكذا، وقد أثنى الرسول r الحسن بن علي على هذا الموقف العظيم، وقال r: إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين) وهم يقولون: لا، لم يكن هذا من قلبه بل إنما فعله الحسن مصانعة، ومسايرة مع الوضع القائم. (سبحانك هذا بهتان عظيم).

 وكل المواقف التي تبناها هؤلاء الأطهار من أهل بيت رسول الله فسَّرتها الشيعة الإمامية بما لا يليق بالمنافقين، لأن التقية عند الشيعة الإمامية كما سنعرفُها في موضعها عند الحديث في هذا البحث هي المصانعة والمداهنة، وهي في مفهومها: أن يظهر الشخصُ خلاف ما يبطن، وفي حقيقتها النفاق، والكذب، والمراوغة والبراعة في خداع الناس، وهل هذا يليق بأحد من أهل البيت وهم الأطهار.

وأما القضية الثانية: فهي ظهور الشيعة في الآونة الأخيرة بعد ثورة الخميني بمظهر المتحدث باسم الإسلام، والمدافع عنه عن طريق رفع شعارات براقة، وهتافات جماهيرية، وتصريحات نارية، وكلها في الحقيقة أمور مزيفة لا تمت بالحقائق صلة بل هي شبيهة بمفرقعات نارية يتلاعب بها الأطفال، وبالونات منفوخة في الهواء تتبخر في الجو سريعاً، وليس وراءها من مطالب حقيقية، فالشيعة عبر التاريخ تهدم الإسلام، ولا تنصره، وهذا ما ستعرفه عند الحديث عنه.

إن الشيعة الإمامية الاثنا عشرية قد ملأت الأسماع بالضجيج والصيحات حتى ظن كثير من عوام المسلمين أنها تضطلع بدور إحياء الخلافة الإسلامية في هذا العصر، وساعدها على ذلك تضعضع دَور ملوك ورؤساء العالم الإسلامي، فليس لهم دور في عجلة الحياة كأنهم أموات غير أحياء، فتعلقت بإيران أفئدةُ الشعوب المنكسرة في كل الأصعدة على أنها الأمل المنتظر، والشعوب المسلمة معذورة في ذلك لأن من عادة الغريق أن يتمسك بكل شيء، وإن كان يعلم أنها لا تُنقذه من الغَرَق كما أنها معذورة أيضاً لأنها لا تعلم عن الشيعة ودورها التخريبي للأمة الإسلامية من الداخل، ولكن الذي ليس بمقبول أن ينخدع بعض رجال الصحوة الإسلامية بتلك الشعارات الشيعية كالتيار الإخواني فإنهم كانوا مخدوعين بالثورة الإيرانية حتى تكشَّفت لهم في الأخير حقيقة الشيعة، فتراجع كثير منهم.

وأقول: وأنا ـ واثق من كلامي ـ ليس للشيعة في الدنيا عدو غير أهل السنة، وأنا أدلل على ذلك بثلاثة أمور كأمثلة على عداوة الشيعة لأهل السنة.

الأول: لم يُحفظ للشيعة في التاريخ ولا لغيرها من المذاهب البدعية أي دور قامت به في نصرة الإسلام، وكسر الأعداء غير تخريب الأمة من الداخل، قال ابن حزم: «واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن جميع فرق الضلالة لم يَجْرِ الله على أيديهم خيراً، ولا فتح بهم من بلاد الكفر قرية، ولا رفع للإسلام رايةً، وما زالوا يسعون في قَلب نظام المسلمين، ويُفرِّقون كلمة المؤمنين، ويَسلُّون السيف على أهل الدين، ويَسعون في الأرض فساداً،  فاللهَ اللهَ أيها المسلمون تحفظُوا بدينكم، الزَمُوا القرآن، وسننَ رسول الله r وما مضى عليه الصحابة والتابعون، وأصحاب الحديث عصراً عصراً الذين طلبوا الأثر، ودعوا كل محدثة بدعة، فكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار »([5]).

الثاني: إسقاط الخلافة الإسلامية العباسية التي امتدت لقرون حصل بمؤامرة شيعية بقيادة نصير الدين الطوسي، والوزير محمد ابن العلقمي الشيعيين عن طريق التنسيق مع المغول التتري جنكيزخان، ثم مع ابنه هولاكو لتقويض الخلافة الإسلامية، وإليك ما قاله ابن كثير الدمشقي، وهو أجدر من كتب في ذلك، وقد أدرك بعضاً ممن نجا من مهلكة التتار، ونقل لنا عن ذلك  بمعرفة وعلم.

 قال ابن كثير: «كان الوزير محمد ابن العلقمي قبل دخول التتار في بلاد الإسلام يجتهد في صرف الجيوش، وإسقاط اسمهم من الديوان، فكانت العساكر في آخر أيام المستنصر بالله قريباً من مائة ألف مقاتل، منهم من الأمراء من هو كالملوك الأكابر الأكاسر، فلم يزل يجتهد في تقليلهم إلى أن لم يبق سوى عشرة آلاف.

قال ( أي ابن كثير): ثم كاتب ابنُ العلقمي التتارَ، وأطمعهم في أخذ البلاد، وسهَّل عليهم ذلك، وحكى لهم حقيقة الحال، وكشف لهم ضعف الرجال، وذلك كله طمعا منه أن يُزيل السنة بالكلية، وأن يُظهر البدعة الرافضة، وأن يُقيم خليفة من الفاطميين، وأن يُبيد العلماء والمفتيين.

قال: فابن العلقمي هو الذي دبَّر على الإسلام وأهله ما وقع من الأمر الفظيع الذي لم يؤرخ أبشع منه منذ أن بُنِيتْ بغداد، وإلى هذه الأوقات، ولما صار هولاكو بجنوده على مشارف المدينة كان أول من برز إلى التتار ابن العلقمي، فخرج بأهله، وخدمه، وحشمه، فاجتمع بالسلطان هولاكو خان لعنه الله.

قال ابن كثير: وكان دخولهم إلى بغداد في أواخر المحرم، وما زال السيف يقتل أهلها أربعين يوماً، وكان قتلُ الخليفة المستعصم بالله أمير المؤمنين يوم الأربعاء رابع عشر صفر وعُفي قبره.

قال ابن كثير: ويقال: إن الذي أشار بقتل الخليفة : الوزير ابن العلقمي، والمولى نصير الدين الطوسي، وكان النصير عند هولاكو قد استصحبه في خدمته لما فتح قلاع الألموت وانتزعها من أيدي الإسماعيلية.

قال ابن كثير: ومال هولاكو بجنوده على المدينة بغداد، فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال، والنساء والولدان، والمشايخ، والكهول، والشبان، ودخل كثير من الناس في الآبار، وأماكن الحشوش، وقني الوسخ، وكمنوا كذلك أياماً لا يظهرون.

قال ابن كثير: وقد اختلف الناس في كمية مُن قُتل ببغداد من المسلمين في هذه الواقعة، فقيل ثمانمائة ألف، وقيل ألف ألف، وثمانمائة ألف، وقيل بلغت القتلى ألفي ألف نفس، ( أي مليونين) : فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم([6]).

  الثالث: ما تفعله الشيعة الإمامية اليوم بأهل السنة من التقتيل، والتجويع، والتهجير في كثير من البلدان في الشرق الأوسط ما لم يفعله أي عدو آخر بالمسلمين إلا ما كان من التتار في بغداد لأن الشيعة تُكفِّر أهل السنة جملة، فلا فرق عند الشيعة بين الكفار الأصليين وبين من تسميهم نواصب، وهم أهل السنة كيف وقد كفَّروا الصحابة ما عدا أهل البيت، ومن كفر الصحابة، وهم خِيرة هذه الأمة، فمن باب أولى أن يُكفِّر بقية المسلمين في هذا العصر وفي غيره، فحينما ترجَّحت الكفة للشيعة بنجاح الثورة الإيرانية بقيادة الخميني، بدأت تلك الثورة تُحرِّك الأقليات الشيعية في البلدان الإسلامية، وتربطها بالثورة الإيرانية، بل شرعت في التنسيق مع أمريكا والدول الفاعلة في المجتمع الدولي للتعاون معها على حساب أهل السنة.

 وبعد أن تمَّ إسقاطُ صدام حسين في العراق بأيدي الأمريكان، تمَّ تسليم البلد بكامله إلى إيران على طبق من ذهب، وحينها شرعت الشيعة في تصفية أهل السنة في العراق، واليوم مناطق السنة في العراق شبه فارغة، ويتم تعميرها بالشيعة.

وقد كانت الشيعة قبل ذلك تعيش في العراق ضعيفة تُمارس طقوسها منغلقة على نفسها، ولا يتعرض لها أحد من السنة لا بالتضييق عليها، أو منعها من مزاولة نشاطها الداخلي على خلاف أهل السنة في إيران الشيعية مع أن أهل السنة يشكلون أكثر من ربع سكان إيران، وهم عرقيات مختلفة: البلوشتان، وكردستان، وتركمستان لا يسمح لهم إقامة مساجد خاصة بهم، ولا مزاولة شعائرهم التعبدية فضلاً عن المشاركة السياسة، فلا يوجد لأهل السنة مَن يمثلهم لا في البرلمان الإيراني، ولا في مجلس الوزراء، فإيران لا تختلف عن الصين فيما تفعله بالمسلمين الإيغوريين، بل تزيد على الصين بأنها تسعى لتدمير الشباب في مناطق السنة بالسماح بدخول المخدرات إلى مناطقهم تخريباً لهم كما تفعله إسرائيل في المناطق الفلسطينية المحتلة عام (1948م) وهناك جدار عازل بينها وبين المناطق الفلسطينية مع أن هؤلاء الفلسطينيين يحملون الجنسية الإسرائيلية، فالمخدرات ممنوعة خلف الجدار من جهة إسرائيل في حين أنها مسموح بها في الجهة الأخرى الفلسطينية.

 والشيء نفسه يجري في سوريا الآن، فإيران استقطبت جميع مليشياتها من اليمن، ولبنان، والعراق إلى سوريا من أجل إخراج أهل السنة من البلاد، وإحلال الشيعة محلها. وأهل السنة معظمهم مُهجَّرون خارج البلد: في تركيا، وفي مخيمات الأردن، ولبنان، ويتم تعمير مناطقهم بتسكين المليشيات الشيعية مع أسرهم من خارج البلاد حتى يكون لهم الأغلبية المطلقة في نهاية المطاف.

وكذلك في اليمن، فالمليشيات الحوثية المدعومة من قبل إيران تسيطر الآن على معظم ما كان يسمى اليمن الشمالي غير إقليم واحد، وهو إقليم مأرب الذي يقع على حدود اليمن مع السعودية، فالمليشيات الحوثية دمَّرت البلد وأعادته إلى نقطة الصفر كما كان قبل قرون، واستهدفت فور استيلائها على العاصمة المؤسسات التعليمية العامة والخاصة، فصادرتها كلها، وقامت بتفجير المراكز العلمية، والمعاهد الشرعية التابعة لأهل السنة في البلد، وأحرقت المكتبات العامة والخاصة في البلد، وغيَّرت مناهج التعليم، وفرضت على الجميع التعليم الشيعي كما استهدفت قيادات وأعيان ووجهاء البلد من العلماء والمشايخ والعقلاء بالقتل، والسجن، والتهجير ليسهل لها قيادة البلاد حسب رؤيتها.

([1]) وهما في نظر الأستاذ بمثابة الولاء والبراء عند أهل السنة والجماعة، وليستا كذلك بل هما عند الشيعة الإمامية على خلاف ذلك، فالتولي عندهم لآل البيت والتبرؤ يكون من الصحابة لأنهم في نظرهم نواصب.

([2]) كتاب الصافي في تفسير القرآن 1/32).

([3]) أصول الكافي (2/ 219).

([4]) الحكومة الإسلامية ( ص 52) طبعة القاهرة.

([5]) الفصل في الملل والأهواء (4/171).

([6]) البداية والنهاية (13/234/ 235). مع التصرف بالتقديم والتأخير.

 

لتحميل الرابط اضغط هنا